بقلم الشيخ / حسين علي المصطفى
الفن هو نتاج إبداعي إنساني، ويعتبر لوناً من الثقافة الإنسانية، لأنها تعبير عن الذاتية، وليس تعبيراً عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أنَ بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام.
وفي ظل الصراع الفكري الذي يشهده العالم الآن، فإنّ الفن يمثل أخطر سلاح اختراقي في وعي المتلقي. فحضارة الصورة بشكل عام، هي لغة ذات نظام اتصال ولكنها ذات قدرة تعبيرية كبيرة؛ لأنها تستعين وتستفيد من كل الفنون السابقة التي ابتدعتها البشرية، ما يجعلها ذات قدرات تعبيرية تفوق إمكانية اللغة.
فاللغة لم تعد وسيلة الوعي والتطور الأساسي للتراكم المعرفي؛ لأنّ حضارة الصورة استطاعت السيطرة على الزمن، وهي أهم إنجاز عرفته البشرية مع تطور العلوم.
وللأسف أنّ الفن (الإسلامي) لم يتبوأ مكانه في خريطة الفن المعاصر؛ وذلك بسبب إشكالية حالة الاشتباك الفقهي في العلاقة بين الدين والفن، حول الحلال والحرام في قضايا الفن.
مع وقوفنا على حقيقة ساطعة وهي: أنّ ما يستطيع الفن تحقيقه (كالفيلم أو المسلسل التليفزيوني) يفوق الأثر الذي تستطيع تحقيقه العديد من الكتب والندوات والخطب.
وكما يقول محمود درويش في جداريته:
"هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها..
هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد الرافدين..
مِسَلَّةُ المصريّ، مقبرةُ الفراعنةِ..
النقوشُ على حجارة معبدٍ هَزَمَتْكَ وانتصرتْ..
وأِفْلَتَ من كمائنك الخُلُودُ..
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريدُ
وأَنا أُريدُ، أريدُ أَن أَحيا..".
إنها لحظة التحدي الأخيرة بين اللغة والذاكرة!
وأنت ما زالت ترى تلك الفنون المتنوعة التي ابتدعها المسلم طيلة قرون عديدة شاهدةً على دين طالما وجه الحس البشري للجمال في كل شيء، وسعى لتحريك الحواس المتبلدة لتنفعل بالحياة في أعماقها، وتتجاوب تجاوباً حيّاً مع الأشياء، والأحياء.
إنّ كلَّ متأمل في الفن (الإسلاموي) يعرف أنه أرسى معايير ذات صبغة مميزة، كان لها آثارها الواضحة على العالم الغربي، خاصة فيما بين القرن العاشر الميلادي والقرن الرابع عشر، مما يوضح أنّ الفن الإسلامي يتوسل بالمادة ليعبر عن الإحساس الديني بالحياة، وعن وجدان أخلاقي إسلامي.
وهذا ما يجسده أهمية المناسبات الدينية وتجسيدها فنياً؛ لأنَّها محطةٌ أساسية في الوعي الإسلامي، ومولّدة للدلالات والرموز، وأظن أنّ قدرات الفن عامة، والسينما خاصة، تستطيع أن تعيد إبراز هذه المناسبة وتسليط الضوء عليها بكل أبعادها الإنسانية والفكرية، بما تملكه من قدرات تقنية تعبيرية هائلة.
لقد وهب الله تبارك وتعالى الإنسان نِعَم الحواس الخمس: (السمع، والبصر، والذوق، والشم، واللمس)، وامتّن عليه بها، وهي وسائل لإدراك الأشياء، وتمييز ما ينفعه منها وما يضره، وعلّق بها الكثير من الشرائع والأحكام.
ونعمتا السمع والبصر أعظم تلك النعم وأشرفها، ولذلك ميزتا مع العقل على سائر النعم بالامتنان على بني الإنسان، كما قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
من الطبيعي أنّ أي ذكرى، لها علاقة بالوجدان الشعبي والديني وبالذهنية الثقافية وبالحركة السياسية، لا بد لها من أن تتطور في طريقة التعبير تبعاً لتطوّر وسائل التعبير على مدى الزمن، لأن أية فكرة لا بد لها من أن تدخل في الوجدان الإنساني بالوسائل التي يمكن أن ينفتح عليها هذا الوجدان، لأن الإنسان يتربّى بحسب الوسائل المتطورة في إنتاج قناعاته، من خلال الفكر الذي يدخل عقله.
في ضوء هذا، فإننا في الوقت الذي نؤكد بقاء مجالس العزاء، لأنها تجسد حالة تعبوية شعبية تحقق نتائج إيجابية في كل زمان ومكان، لكننا ندعو إلى تطوير مجالس العزاء من حيث الأسلوب والأداء وما إلى ذلك.
ونعتقد أنّ المسرح في المناسبات الدينية إنما بدأ بطريقة بدائية، ركزت على شكل الحادثة، لكنها لا تملك العمق والآفاق والحيوية، ما يجعل الإنسان الذي يشاهد هذا المسرح البدائي يتابع الأحداث بطريقة جامدة، وإذا تفاعلت، فإنها تتفاعل بألوان المأساة فحسب.
لذلك، نحن نريد للمناسبات أن تدخل العصر، وأن تنفتح على الإنسان المعاصر من موقع تجسيدها القيم التي انطلقت منها، وتجسيدها للأحداث التي تحركت فيها، وإطلالتها على الأجواء التي تنتجها. ومن الطبيعي أننا نحتاج للوصول إلى هذه النتائج التي تمنح المناسبة بعداً عالمياً إنسانياً، إلى جانب بعدها الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق