*عادل البشراوي*
دائما ما ألام عند حديثي عن المؤامرة، وهو لوم أجد فيه منطقية ما إلى أن تتوضح أمامنا بعض الإشارات لروابط تكاد تشكل القواسم المشتركة لأغلب الأحداث التاريخية.
فبدراسة مركزة لأحداث التاريخ ومحاول قراءة ظروف وأسباب حدوثها وعن الأهداف التي خلصت إليها نستطيع أن نتلمس نتائج أهمها إذكاء نار الفتن وتشويه المناهج الإلهية التي انفذها الله سبحانه في فطرته للبشر وعبر رسالات انبيائه ورسله.
لأوضح وأبدأ بالقول أنه ليس من المفيد أن نقرأ كل حدث على حدة فنجعله نتيجة مباشرة لظروف محيطة به ومنفصلة عن أي إرهاصات أو سياسات سابقة.
القراءة الإجتزائية للأحداث لاتتفق مع مناهج الدراسات الجيوسياسية والتاريخية التي تساعدنا على قراءة الأمور كما هي، وأيضا لن تمكننا استشراف مستقبل الأمور.
عندما نقرأ تاريخ الإستعمار عالميا وبداية مع تتويج العرش الإسباني الذي بدأ بالزواج السياسي لإيزابيل وفرديناند منتصف القرن الخامس عشر ونجاح ايزابيل بتمويل أسطول كريستوفر كولومبوس عام 1492 لاكتشاف العالم الجديد وجلب ثرواته، ونتابع قيام جارتها البرتغال وهولندا لتشكل هذه القوى الثلاث أهم قوى الإستعمار في العالم آنذاك، ونقرأ أيضا ارتباط قيام هذه القوى وإن على حدة بالمركز الروحي والديني المتمثل بالفاتيكان والذي منحها بركاته للإنطلاق في احتلال مناطق العالم الأهم حينها وتركيعها تحت سلطته الآيديولوجية.
ثم نلاحظ تزامن هذا مع تقويض أهم مناويء لهذا الحراك ألا وهو الحالة المتنورة في العالم الإسلامي والكيان الكنسي المشرقي في القسطنطينية نستطيع أن نصل إلى نتيجة مفادها أن هناك رابط وثيق بينها.
ولنا لو اتسع النقاش إمكانية للعثور على روابط أخرى للأحداث التي حكمت التاريخ منذ أن بدأ وهي مستمرة ولاتزال بذات الرابط الأساسي وإن بوجوه وعناوين مختلفة.
وحقيقة لا أرى فرقا بين إسبانيا ايزابيل وفرديناند وبريطانيا الفكتورية والولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية إلا في العناوين وفي التطور التكنولوجي، فتلك القوى قامت وهيمنت واستكبرت كل ضمن ظروف أزمانها، وعندما بان ضعف أي منها اضطرت لتسليم زمام مهامها للقوة الأكثر مناسبة لحمل لواء الإستكبار.
وقد مثلت الأمر في مناسبات عدة على أن قوى الإستكبار الخفية تقوم بتغيير مقر إدارتها للأمور من كيان لآخر وبشكل يتلائم مع مخططات مرحلية جديدة، ففي الخمسة قرون الأخيرة تم لهذه القوى استغلال العرش الإسباني فترة من الزمن إلى أن قررت المخططات الاستغناء عنه والإنتقال إلى بريطانيا الفتية والتي كانت وحتى بداية القرن السابع عشر عبارة عن دويلة فقيرة تقع إلى الشمال الغربي من أوروبا وتعاني شواطئها على الدوام هجمات البحريات الهولندية والفرنسية والإسبانية.
وكان ضمن أهم معاناتها إقصاء الفاتيكان لها عندما تخلت عن الكاثوليكية وتبنت تعاليم مارتن لوثر، ولكن ورغم ذلك كله لم يمنعها هذا من أن تبرز وفي عقود قليلة لتقود العالم بكله.
وقد نوفق حين نقول هنا أن حركة مارتن لوثر قبيل عشرينيات القرن السادس عشر والثورة الفرنسية نهاية الثامن عشر كان الهدف الأساسي منهما هو إضعاف الفاتيكان الذي استغل واستهلك في القرون التي واكبت الحروب الصليبية في القرن العاشر واستمر مع القضاء على الكنيسة الشرقية وتحجيم دور المشرق العربي والإسلامي فأصبح المشهد الجديد يستلزم التخلص منه ومن صلاحياته لتقوم بريطانيا الإنجيليكانية وتبسط سيطرتها دون عوائق آيديولوجية تذكر.
ولكن بريطانيا هي الأخرى كان لها نصيبها من الاستغلال حيث جرى تحجيم دورها مع بداية القرن العشرين ليتم الإنتقال منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية لتصبح بريطانيا تابعة لأمريكا بعد أن كانت المستعمر الأقوى للأراضي الأمريكية الشمالية قبلها بقرنين من الزمان.
نهاية، يستطيع من أراد أن يقرأ الأحداث بشكل مجتزيء، ولكنه لن يتمكن من قراءة الأحداث كما هي وبشكل يمكنه من أن يكون فاعلا في رسم مخططاته الخاصة للتخلص من العبودية التي أجزم بأن مؤامرة ما تحاك ومنذ بدء الخليقة تستهدف مفهوم الإستخلاف على الأرض بمحاربة الفطرة السوية التي أرادها الله سبحانه للبشر، وأنا إن كنت قد بدأت الكلام بمناقشة الأحداث خلال الخمسمائة سنة الأخيرة فقد كنت أتحرى الإختصار وإلا فالمؤامرة كما أفهم أزلية وقد قرأت بداياتها في آيات الله المجيدة وتحديدا في الحوارية التي دارت بين الخالق سبحانه وبين إبليس حين قال (انظرني إلى يوم يبعثون) وقال أيضا (فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) صدق الله العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق