زكي السالم
كُنتُ وصديقانِ لـي مُتحيرينَ فـي اختيارِنا.. أي دولةٍ نوجهُ لها بوصلتَنا، فالخيارُ أمامنا مغرٍ: أسبانيا / تُركيـا / مـاليزيا، أنـا مِلتُ لأسبانيـا لسببين لجمالها وسحرها الأخاذ والآخر لفكرةٍ تُراودني كثيراً في غزوها مرةً أخرى واستعادةِ مجدِ الأجداد «بشبش الله الطوبة اللي تحت دماغهم» وبالتالي:
أحرقتُ مِن خلفي جميعَ مَراكبي
إن الهوى ألا يكونَ إيــابُ
أو أقفُ على الأطلال وأنظم مُعلقاتٍ أجترُّ بها ماضياً غابراً كما فعل الزميل العزيز أحمد شوقي:
وعظَ البُحتريَّ إيوانُ كِسرى
وشَفتني القصورُ من عهدِ شمسِ
قَطع صديقايَ عليَّ حبلَ أفكارِي.. قائلينَ: زكي أنتَ قُدوتُنا والمقدّمُ فينا وما تُشيرُه علينا سنتبعُك فيه مغمضي العينين، أنتَ تُفضل إسبانيا؟ قلتُ على الفور نعم قالا: ما تقررُه نؤيدك فيه.. لكننا نميلُ لماليزيا.. قلتُ: وبئس المُقتدَى أنا وبئس المقتدُون أنتم.. أصبحتُ بينكما مثالاً لـ «لا رأيَ لمن لا يُطاع» ضعف الطالب والمطلوب
قالا: اسمع مرجحاتنا واحكم.. قلتُ: تفضلا ..
همس صديقايَ بأذني يبديانِ سبب ترجيحهما لماليزيا قائلَينِ.. هي بلدُ مخضرُ الجنابِ شاخبُ الغُدرانِ مُتوردُ الهضابِ، سماؤُه دفترُ شعرٍ.. والحروفُ التي عليه «سُنونو».. قلتُ:
ما تشاؤون فا صنعوا
فرصةٌ لا تُضيعُ
زممتُ حقائبي ومن عاداتي السيئة الكثيرة أنني أملأُ حقيبتي حدَّ الثُمالة لتصبحَ كأغراض مطلقة، وغالبًا ما تكونُ أكبرَ من حاجتِي ولكنها العادة..
يمرونَ بالدهنا خفافاً عِيابُـهم
ويرجعن من دارينَ بُـجـرَ الحقائبِ
كانَت رحلتُنا تمرُّ بأبوظبي، ركبنا الطائرة وكنتُ رابعَ ثلاثةٍ اجتمعتْ كلمتُهم على السفر لماليزيا..
أنـا - وأعوذُ باللهِ من كلمةِ أنت - من عشاق ركوبِ الطائرات، أمتع لحظاتي أقضيهِ فيها لا رهابَ عندي منها ولا فوبيا، يا سبحان الله الطائرة تُشعرك.. بأنَّ كوناً على ذراعيكَ أغفى، فيها يقفُ أنشتاين بنظريتِـه النسبية حائراً كيف يتشظى وقتُه ببعدهِ الرابع فيها، في الطائرة يتقلصُ البشرُ ويُختزلُ حدّ الامتزاجِ في ساعةِ الرحلة وفجأةً يتبعثرُ بأمانيهِ وأحلامه ورؤاهِ كلٌ حسبَ وجهته..
وللحديث بقية
زكي السالم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق