زكي السالم
صباحاً وصخبُ شارع فيصل يصكُ الآذان و( كَـلَكْـس ) السيارات يمتصُ ما تبقّى في عيوننا من ومضةِ استرخاء وقفنا على إحدى ضفتيه بانتظار تاكسي يمرُّ أو حتى ( تُكتُك ) ولكن دون جدوى وكلما قربت سيارة واطلعت علينا ولّت منّا فراراً و مُلئت منّا رُعباً فقلنا لعلهم رأوا وجوهاً كالحة وشفاهاً مُتهدلة وجباهاً مُتغضّنة فحسبونا رُقوداً ونحنُ أيقاظٌ أو لعلّ طائفاً طافَ علينا فجعلنا في عيونهم كالصريم ، اتسعت اللعلات وانداحت التأويلات ونحن بانتظار من يقطعُ علينا خيالَنا البائس وتفكيرنا اليائس و فجأة ودون سابق إنذار سمعنا ( سحكةَ بريك ) و رأينا غبارًا مُتطايراً أحال صباحنا ليلاً حالكاً
حيثُ النهار من القتامِ دُجُنّةٌ
و دجى القتامِ من السيوف نهارُ
انتحر الغبارُ فبدا لنا رجلٌ عيناهُ غائرتان في أم ( والدي ) رأسه و منخاراه مفتوحتان باتساع مجرة فملئنا نَحْنُ هذه المرة منه رعباً ، فقال - بعد أن قلب حاجبيه وصرَّ إحدى عينيه وفتح الأخرى على مصراعيها ولوى فمه حتى بدا كل مـا تبقى من أضراسه الجانبية - : السياااادة رايحين فين ؟ فقلنا يمّه !! رايحين بعيد الشر عنك معهد أكاد بالدقي . تفضلوا أنا حوصلكم إن شاء الله تعوزواا ورا الشمس . قلنا هذا أول البلاء فاقتحمنا سيارته - أو مـا يُسمى مجازاً سيارة -؟هُوجاً وبعد انطلاقتنا بـ 5 دقائق سألنا : هو الطريق اللي يودي المعهد منين ؟ قالها وكأنّهُ يصرخُ في ( بيب مصدّي ) قلنا هذا ثاني البلاء .. اذا كنت انت صاحب تاكسي وما بتعرفوش إحنا حنعرفوا إزااااي !؟ ، ففتح عينه المصرورة وصرَّ عينه المفتوحة وقال يا تدلّوني عليه يا تنزلوا قلنا مـا كو فرصة نتصل بصديق فاحمّرت أذناهُ واسودَّ صدغاه وخازرنا خزرةً كادت أن تذهب بأرواحنا فاخترنا على الفور خياره الأول وفتحنا خرائط قوقل فكانت خير منقذٍ لنا من ( أبو رجل مسلوخة ) أو حمارة القايلة .
عند عمارةٍ صغيرةٍ ذات طوابق سبعة وقف بنا ففررنا من سيارته فرارَ معيزٍ شدّ فيها ذئب ونحن نرددُ :
خرجنا من ( التاكسي ) فلسنا من اهلهِ
ولسنا من الأحياء فيه ولا الموتى
إذا جاءنا ( السوّاق ) يوماً بحاجةٍ
عجبنا ، وقلنا جَاءَ هذا من الدُّنْيَا
معهد أكاد يستقرُّ في الطابق الخامس استقبلنا سكرتيره الأستاذ فتحي خير استقبال فكان مثالاً للكرم المصري الأصيل .. وجهٌ صبيحٌ وابتسامةٌ مشرقةٌ ودمٌ خفيفٌ كخفّةِ روحه لم نشعر معه بنصف ساعةٍ مرّت حين جاءنا الدكتور ناصر فتحي بابتسامة وروح بيضاءَ لا تقلّ روعة عن صاحبه فعلا وبكل جدارة استطاعا أن يُنسيانا رعباً وهلعاً وقشعريرة لازمتنا طيلة ركوبنا تاكسي الغبرة .
طمأننا الدكتور ناصر أن ( كورسنا ) معه خفيفٌ ومسلٍّ وممتعٌ فقلنا نحن مطمئنون لذلك مع هذه الوجوهِ النضرة ولكنا نطمع في اختصار الكورس وقتاً وزماناً . فقال أنتم وشطارتكم فقلنا على الجهابذة الضراغمة الخضارمة وقعت فنحن لثقتنا بعبقريتنا الفذّة التي يستحي أنشتاين أمامها حجزنا بعد ثلاثة أيّام للإسكندرية ، فقال معقولة كورس مدته أسبوعان تختزلونه لثلاثة أيّام ! ؟ قلنا ولا في البال
وللحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق