الجمعة، 30 سبتمبر 2016

لقطة عن شاعر ( ٢ )

فائق المرهون

شاعرنا لهذه السلسلة اليوم غنيٌ عن التعريف ، فهو شاعر الأرض و التراب ، و التغني بالوطن السليب ، محمود درويش ( 1941- 2008 ) الذي رحل عن عالمنا ، تاركا فراغا فكريا و ثقافيا كبيرا بين جمهوره الذي كان يزحف زحفا لأمسياته الشعرية في عمان أو بيروت أو دمشق أو القاهرة و غيرها .

ولد محمود درويش لأب كان يعمل مزارعا في أرض يعمل عليها ، صادرها الاحتلال لاحقاً ، و كان خروجه للنور في قرية البروة ، بالقرب من ساحل عكا بفلسطين المحتلة ، فتَهجَر مع والديه لجنوب لبنان ثم نشأ في حيفا نحو عشر سنوات تحت الإقامة الجبرية فيها ، التي ضاق ذرعا بها حتى انتقاله لإكمال دراسته في موسكو ، فكان لفقدان الوطن و المكان دوره في تكوينه المعرفي و الوجداني .

فامتزج في موهبته الشعرية الفذة مفهوم الثورة على المحتل و الغاصب ، كما تمازجت لغته القوية و السهلة معا ، في دلالة واضحة على ثراءه اللغوي ، في كسب المتلقي بكافة طبقاته نحو الصيرورة مع حسه الشعري ، طيلة ما يقارب نصف قرن ، تنقل خلالها من شعر الثورة و الوطن إلى الحب الأبدي و فلسفة التعبير الذاتي ، فوصل في رحلته الأخيرة لفضاءات أوسع .

يقول عنه الناقد إلياس خوري " الشعر ماء اللغة ، به تغتسل من ذاكرتها و تصنع ذاكرتها في آن معا ، تجربة محمود درويش هي ابنة هذا الماء ، به غسلت لغتها و جددتها "
كما قالت عنه الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي  " هو الشاعر المارد ، الذي كلما كبر قلمه ، صغر قلبه  وبدا كأنه من عليائه يستنجد بنا ، ننتظر مزيدا من البكاء على كتف قصائده " .

تميز شاعرنا في مزجه الفريد بين معشوقته  و بين حبه للوطن المفقود ، فيقول في قصيدة ( أحبك أكثر ) :

 تكبّر ... تكبّر
فَمهما يكُن مِن جفَاك
ستبقَى ، بعيني و لَحْمي ، مَلاكْ
و تبقى ، كما شاء لي حُبنا أن أَراكْ
نسيمُكَ عنبَرْ
و أرضُكَ سكرْ
و إني أُحبكَ .. أكثر
و أنتَ الثرى و السماءْ
و قلبك أخضرْ .


تمايز درويش عن أقرانه الشعراء بكثير ، لغة و حواراً و أسلوبا بل و في الصورة أيضا ، التي حملت مضامين عميقة الدلالة ، كما أنه كان يجيد فن الإلقاء بشكل رائع ، و هذا الفن لا يجيده – بحسب اعتقادي – إلا قلة من الشعراء ، و يشهد على ذلك حفلاته و أُمسياته التي ضجّت بها مدرجات جامعات بيروت أو دمشق .

كما إنه تميز بتوظيف الرمز توظيفا إيحائيا جميلا ، فهو مثلا يرمز في طائر الحمام ، للسّلام المفقود في وطنه ، و في نفسه العليلة أيضاً ، فنجده ينشد في قصيدة ( يطير الحمام ) التي تميزت بلغةٍ شعريةٍ عالية ، و دخول أصواتٍ متعددةٍ فيها :

أَعِدّي لي الأَرضَ كَي أَستريحْ
فإني أُحبكِ حتَى التَعبْ ...
صباحُكِ فاكهةُ الأغاني
و هذا المسَاءُ ذَهبْ
و أشبهُ نفسي حين أعلّق نفسي
على عُنقٍ لا تعانقُ غير الغَمام
و إني أُحبكِ ، أنتِ بدايةَ روحي ، و أنتِ الخِتامْ
يطيرُ الحمامُ
يحطُ الحمامُ .

لم يتوقف نبض الشاعر يوما عن الاشتياق لوطنه أبداً ، فهو المولد و النشأة ، المكان و الزمان ، و التاريخ الأثير ، فمدينة القدس العريقة حين سقطت في حرب يونيو 1967 ، أضحت لديه مدينة كل الجروح الصغيرة ، فنلحظهُ يعيد توليف حكاية الألم و فداء المسيح  من أجل الخلاص ، مع حالة الموت وقوفاً من أجل النصر ، في قصيدة ( أُغنية حُبٍ على الصليب  ) التي يقول في جزء منها :

مدينةَ كُل الجُروحِ الصَغيرة
يُناجي جَرحي تِلكَ الأميرة
ألا تُخمدينَ يديَّ ؟
 و ناراً تحتلُ بعدَي
أَلا تبعثينَ غَزالاً إِليَّ ؟
حَنيني إليكِ .. اغتِرابٌ
و حُبي إليكِ .... عقوقُ اِبنٍ يَطالُ السحَابْ .

تألم شاعرنا كثيرا لمحاولات طمس القضية الفلسطينية ، و ما قام به الاحتلال من نهب خيرات وطنه و تهجير شعبه ، كما توجع لحالة النكوص و الركود للأمة العربية ككل ، فكانت شكواه و حسرته نبعا شعريا لا ينضب ، بأسلوب بسيط و حيّ ، يمتلك ديمومة الجمال و العنفوان الدائم ، كما كانت الواقعية المشحونة بالعاطفة رسالة واضحة لمن يهمُهم الأمر ، فيقول شاديا في مقطع من ديوان ( لا تعتذر عما فعلت ) :

لا شَيءَ يُعجِبُني
يقول مُسافرٌ في الباصِ – لا الراديو
و لا صُحفِ الصباح ، و لا القِلاعِ على التلالِ
أريد أَن أَبكي
يقول السائقُ : انتظر الوصول للمحطةْ
و ابكِ وحدَك ما استطَعتْ
تقولُ سيدةٌ :  أنا أيضاً ، أَنا
لا شَيءَ يُعجِبني . دلَلتُ اِبني علَى قَبري ،
فأَعجَبهُ و نامَ ، و لمْ يودِعَني
أمّا أنا فأقولُ : أنزلني هنا . أنا
 مثلُهم لا شيءَ يُعجبني ، و لكنّي تَعبتُ
من السَّفرِ .

في مقابلة مع الناقد اللبناني عبده وازن ، سأل محمود درويش عن أمه ، فقال " إنها أُمي ، أنا ابنها المفضل و السبب بسيط .. لأني الابن الغائب ، غبت عنها سنوات طويلة " .

و المفارقة أن والدته الحاجة حورية توفيت بعد ولدها الشاعر ، بنحو نصف عام في العام 2009 ، و كانت في لقاءها الأخير معه ، تشد قميصه كي لا يتركها و يجري عملية القلب المفتوح ، التي أودت بحياته في ولاية تكساس في أغسطس 2008 ، و لم تتوانى الحاجة عن إحضار تراب من قريتها ( الجديدة ) لنثرها فوق قبر ابنها الذي دفن بمدينة رام الله الفلسطينية .
يقول في قصيدة ( إلى أُمّي ) التي حققت رواجا كبيرا :

أَحنُّ إلى خبزَ أُمّي
و قهوةُ أُمّي
و لَمسةُ أُمّي
 وتَكبرُ في الطُفولَةِ
يوماً على صَدرِ يومٍ
و أعشقُ عُمري لأَنّي
إِذا متُ ،
أخجَلُ من دَمعِ أُمّي .
بالطبع لا يمكن لمن هو مثلي ، إعطاء شاعر كبير بقامة محمود درويش ، حقه الأدبي و التحليلي ، و هو الصرح الكبير ، الذي خاض التجارب و المحن ، و جرب مرارة الغربة و فقدان الوطن ، كما عاش مضاضة بُعد حضن الأم ، و هو ذو الموهبة الفذة و الذي جعل من شعره محكيا بين الناس ، في عصر تراجع فيه الشعر ، لصالح الرواية و السينما و الإنترنت و غيرها ، فبجدارة وصل ليكون أحد أعمدة الشعر العربي الحديث .
و هنا يمكنني - بتواضع - ترشيح بعضاً من قصائد شاعرنا الراحل ، التي كان لها وقعٌ خاص عند جمهوره الواسع و نقادّه أيضاً ، علّها تروي ظَمأَ القارِئ الكريم ، و منها :

-     أَحَد عشَر كَوكَبا
-     أنَا العاشقُ السيئ الحظ
-     سجّل أنا عَربي
-      أنا يوسفُ يا أبي
-      في البالِ أغنيةٌ
-      لاعبُ النرد
-      جداريةٌ
-      في بيتِ أمّي
-      منفى (1)
-     و لنَا بلادٌ
-    كنتُ أحبُ الشَتاء .

دمتم بخير و عافية .







حنيذ وباشاميل



الحسن مشيخي

أعمل إيه ... ؟؟ ألطم خدودي يا أولاد !!!!
البارحة قبيل الفجر تلقيت اتصالا من أبو علي خال أولادي وأخو المدام  يفيدني بأن الافطار الليلة عندهم .

قلت تم ..

في المجلس قبل أذان المغرب وُضِع على تلك الطاولات قوارير ماء مزن وتمر خلاص وقشطة فقط ..
هذا كان  ما نفك به ريقنا وفطورنا خلاف ما تعودنا عليه في المائدة الجازانية انه توضع كل الاطباق ونأكلها دفعة واحدة ثم نذهب لصلاة المغرب ولا يعقب صلاة المغرب غالبا شيء عدا القهوة والحلا  حتى اذا انتهينا من  صلاة التراويح جيء بالعشاء .
كان إفطارنا او تحليلنا بالتمر ونمرره على القشطة ثم جرعات ماء وقهوة ثم ذهبنا لصلاة المغرب .

كان هناك جزء ثانٍ مثير !!؟
بعد الصلاة مباشرة تم دعوتنا لغرفة مجاورة للمجلس وكانت مائدة تشبع العين  بوجود الأرز و الحنيذ* المعد في المنزل  واللحوح* والمغش طبق المائدة الجازانية الشهير وحجر الزاوية فيها وكان حولها أطباق صغيرة بها مسحوق الحلبة بتلك الفقاقيع المسيلة للعاب والجميل انها كلها اعداد منزلي وجزى الله كل خير  أم حمود وأم علي على جهدهم  لكن استحلفكم بالله مالداعي لوجود تلك الاطباق التي لا داعي لها حقيقة ...؟!
هاه ..  هه !؟؟. قال ايش قال مكرونة بشاميل وتوفية و ما ادري ايش 😏 و صحون فيها طبقات من الدجاج والمكرونة و الجبن وخليط كيميائي عجيب لم ولن  يرق لي ابداً ...
الحقيقة  أنني تجاهلت تلك الاطباق الغير مرغوب بها الآن و واصلت الولاء والاخلاص لتلك المجموعة المتجانسة اللحم والأرز والمغش واللحوح حتى بدأت جبهتي تفرز العرق رغم هدير مكيف الزامل فرق رأسي
لكن الحر من شدة الحر كما يقول المثل البيشي !!!
الشيء الوحيد الذي فضلته ويعجبني وختمت به أهدافي الحاسمة هو طبق كريم كاراميل فقد كان طبق تحلية Deserts مناسب بعد المغش والحنيذ ومرافقيهم ..

كرماً  لا حد بجيب لي سيرة الباشاميل وإخواتها

___________

هوامش

الحنيذ * هو مشابه للمندي وهو إنضاج اللحم في داخل التنور على الجمر وهو الذ من المندي بكثير

اللحوح * اكلة شعبية ف جازان مثل القطايف او الرقائق تتكون من عجين الدقيق الابيض والذرة الرفيعة تغمس في المرق فتتسع بالمرق وتوكل مثل الخبز على الايدام

حديث في العلاقة الحضارية والتاريخية بين العراق وإقليم البحرين


عادل البشراوي


في حوار جرى مع بعض الأصدقاء دار نقاش عن أصل فن الأبوذية وكان بيننا أخوة من العراق قد أكدوا على أنه فن عراقي الأصل وهو شيء لا أجادل فيه.

لكننا يجب أن نتنبه أن هذا الفن وكحال أي مخزون ثقافي لابد أن نجد له امتداد حضاري يصل به إلينا ليغطي جميع أراض إقليم البحرين القديم فيجعله ضمن المخزون الثقافي والحضاري للمنطقة بأكملها.

هذا الحديث جعلني أنطلق إلى دائرة أوسع في النقاش.
وأقصد من ذلك الإرتباط الحضاري والثقافي بين إقليم البحرين وفضاء أرض العراق ومن منطلق تاريخي أنثروبولوجي, وبما تقرره النظريات القائمة في علم الإجتماع.

فماهي حقيقة هذه العلاقة!!

لامجال للنقاش في محورية هذه العلاقة فلها رابط إنساني موغل في القدم, ولو تتبعنا كل تجليات الموروث الحضاري لهذه المنطقة نجد أنها تتقاطع بشكل ممتد ومتصل عبر الأزمان.

طبعا, هذا اذا استثنينا الثلاثين سنة الأخيرة الذي جرى فيها أبعاد وتغييب ذاك الدور الثقافي الصاخب الذي لم يكن ليغفل للعراق ليس على مستوى المنطقة فحسب, بل وعلى مستوى العالم العربي وحتى الغربي.

وبالمناسبة, فقد يخطيء من يخال بأن هذه العلاقة مردها التوافق العقدي بين العراق والبحرين!!

وذاك أبينه في سببين:

أولهما, أن أسبقية العقيدة الولائية لإقليم البحرين هي ثابتة, فقد بدأت في حياة الرسول صلى الله عليه وآله, ولنا في ذلك شواهد وأدلة كثيرة لايتسع المجال لحصرها.

وثانيهما, أن هذه العلاقة تمتد بعيدا قبل الإسلام فتصل إلى أقدم المخطوطات التاريخية التي تحوي السجل الإنساني الحضاري لهذه المنطقة. وليس أقلها ماكشف في اللوح السومري الذي كان عبارة عن ملحمة مخطوط بالكتابة المسمارية وعرفت فيمابعد بـ (ملحمة قلقامش), وقد أرخ عمر هذا المخطوط بسنوات تربو على الخمسة آلاف مضت.

وللعلم فهذه الملحمة تعد أقدم ملحمة في التاريخ وقد كتبت في عصر الحضارة السومرية التي يعدها المؤرخون بأقدم الحضارات في التاريخ البشري. ورغم تشكيكي في صحة معلومة أن هذه الحضارة هي أقدم الحضارات إلا أنني أكتفي بقدمها كشاهد على قدم علاقة إقليمنا الحضارية بأرض العراق.

ملحمة قلقامش هذه تحمل اسم الملك (قلقامش) وقد قيل أنه هو من كتبها, إلا أن هناك من يقول أنها كتبت من قبل امرأة في بلاطه.
جاء في الملحمة (وهو شاهدنا) حديث مطول عن ديلمون وذكريات عنها وأنها أرض الخلود, وفي تقييمي الخاص فإن هذا الوصف لهو تفخيم لديلمون هذه ودليل مجد سابق حدث فيها خصوصا ونحن نقرأ في ملحمة كتبت في أوج حضارة سومر.

كلنا يعلم أين كانت ديلمون..
وأين كانت في تلك العصور أيقونتها.

وهنا لي استشهاد شخصي, فما يجعلني أشكك في أقدمية سومر كحضارة هو أسباب من ضمنها تغني ملحمة قلقامش بديلمون, أي انني واستشهادا بذكر ديلمون في الملحمة أذهب للقول بأن لمنطقتنا أقدمية حضارية موغلة في القدم وهي بأي حال من الأحوال سابقة لحضارة سومر, أما كيف كانت هذه الحضارة وماهي شواهدها, فهذا يحتاج لجهود بحثية متخصصة ينبغي لنا أن نتصدى لها.

وردا على من يريد مساءلتي في التواريخ أقول أن ديلمون التي أتناول قد لاتكون حضارة ديلمون المتعارف عليها والمؤرخ وجودها بأقل من خمسة آلاف سنة, إنما قد تكون هذه الأخيرة امتداد لديلمون المذكورة في الملحمة. وباعتبار أن من أرخ لحضارة ديلمون يقول ببداية وجودها قبل حوالي 4800 سنة وأنها استمرت في مدنيات ودول تصل عند بعض المؤرخين حتى القرن الخامس عشر الميلادي, فلا أجد ضيرا من تصحيح تأريخ بداية هذه الحضارة إلى ماقبل 4800 سنة, وهو مايخدم الطرح.

أعود لدائرة البحث,

فما كنت أناقشه مذ بدأت الكلام هو الوحدة الثقافية لإقليم البحرين مع العراق, ومن الواضح أن منطلق شعاع توهج هذه الثقافة هو دائما العراق ليشرق فيما بعد امتدادا حتى يصلنا وهجه. هذا مايقرره تجلي هذه الثقافة على الأقل.

ولكنني أود في كلامي أن أبين بأنني أرى أن لهذا التوهج الحضاري وانطلاقه منعرج سابق وقديم. وهو في أن انطلاق شعاع الوهج (فيما أرى) قد انعكس في مرحلة ما..

مرحلة تتعلق بالتغير المناخي للأرض المتمثل بانحسار آخر مد جليدي قبل أكثر من أربع عشر ألف سنة وماتبعه من ارتفاع لمستوى مياه المحيطات وأدى فيما أدى لغمر حوض الخليج العربي بمياه بحر العرب والمحيط الهندي قبل حوالي ثمانية آلاف سنة مضت, فغمرت هذه المياه المستوطنات البشرية ومايمكن أن يكون شكل من أشكال الحضارة الواقعة في حوض الخليج.

أي أني أرى أن هذا المنعرج قد قرر انعكاس الوهج الحضاري بعد أن كان مصدره أرضنا البسيطة.. والمغمورة إعلاميا.


مساء بلا نجوم

بنت القطيف : غالية محروس المحروس

لابد أن أحييكم في هدوء هذا الليل والساعة تشير إلى الثالثة فجرا, والدهشة بأني أتجنب الكتابة لكم وأنا مرتبكة حيث أكره الارتباك,
منذ البدء لا أعرف بالضبط هل امسك قلمي هنا أم أضع كوب قهوتي هناك,دعك من كل هذا أيها القارئ وعلي أن اكتب فأمامي طريق صعب اجتيازه, اعتقد كل شي قد كتبت عنه ولم يبقى هناك شيء سوى الدخول في الاعتراف أمام القارئ, ليتني أستطيع أن أملك مفتاح حكايتي هذا المساء,

فبدأت بالعنوان فعنوان مقالي أكبر من مقال واحد, احتاج أن أقلم أظافري قبل المواجهة وعلي أن أتكبد كل الاحتمالات,وأنا لم استعد للنهايات المدهشة بعد, وهكذا أسير صوب خيالي الملهم وأنا أحاكي ذاتي للتعبير عن إحساسي المليء بالبوح والصدق, ثمة شيء يصعب فهمه ولا أريد إجهادك أيها القارئ معي‏,‏ أحب أن تتنفس وأنت تقرأني‏,‏ ولابد أن يكون لديك يا قارئي العزيز وقتا لكي تتمتع‏ بقراءتي, لأكون حينها في أعلى درجات الهدوء والسكينة والرضا.

كان مساءا يلقي بسمائه أعباء على قلبي والتفكير من أين أبدأ وكيف، فكرة تتشرب في الآذان لا يطاق سماعها كما يتراءى لي، وتجاوز استثنائي أصبح ذكرى موجعة, كان ذلك مساء ككل المساءات كان حارا خالياً إلا من التوتر الداخلي ، وكانت فكرة الاعتذار مهيمنة حاضرة في كل التفاصيل، لكن الأقسى ما بعد الاعتذار، ولكن لم أستطع أن أعلنه إذ أحسست إنه غير لائق في ذلك الوقت الصعب, حتى لا يترك حرجا يبعث أسى عميق ووجعا يئن له قلبي,كانت روحي مضطربة قلقة من كل الأشياء، خاوية من المواجهة،

ولا تقوى على البوح وكأن التوتر الذاتي لموقفي يتمركز تحت خلاياي وبين أوردتي, في أحد الأيام كان الحوار محتدماً، وجاداً حول موضوع لن أنوه عنه الآن،وكانت الساعة الثالثة فجرا من عمر الارتباك حيث الفجر غير بعيد إلا إن الظلام لازال يخيم على المكان حين قررت الكتابة بشأن هذا الأمر, وكنت حينها في مد وجزر استثنائي فيما يخص قرار الكتابة  لانشغالي بما لم يخطر على بالي يوماً،

 بالرغم من ذلك فأنا أكتب وفجأة أنقطع بسبب بعض المشاغل, لكن الحنين هو الذي يرجعني, حيث هناك ثمة من ينتظر كتاباتي, لا أخفي عليكم وكأنني  لست أنا التي ستكتب هذا المقال، ولكني حاولت وبجلسة لاهثة وبأفكار متناثرة أن ألعب بالسطور, وربما ألملم تلك الأفكار لأصيغها إليكم.

ما دفعني لكتابة مقالي هذا هو أمر ما حدث غير متوقع, وقد يبدو الأمر تجاوز غير مقصود رغم إنني أحترم الجميع, ولكن لابد من الإضاءة لما حدث حين أكون صاحبة موقف، كان لابد أن أتصرف على أساسه, وهكذا فأنني اتخذت قراراً لا رجعة فيه أن هذه السويعات القادمة ستكون الفاصلة وكأنها قد مسحت العديد من ساعات التوتر والحرج وأي حرج في هذا المساء بلا نجوم,

وكان قراري قد أستغرق أقل من ساعة لأعتذر لمن تستحق اعتذاري لتهدأ العاصفة والنفوس، ويعود قلمي وقلبي وقهوتي إلى سكونهم, وهنا قررت لابد أن أكتب لها تحت أي كيف, فحياة رحلة الكتابة غريبة قد ترفعك وتسمو بك وقد ترميك في الحضيض والكثير يعتقد انه طريق الصعود,

لا أعرف أهو سوء الحظ أم حسنه هذا الذي رماني في هذا المأزق الصعب! كان لي خياران ولا ثالث لهما، فأما أن أكتب مجرد الكتابة وهذا غير ممكن وغير مناسب، وأما أن أكتب كعادتي بصدق وكان هذا هو الأنسب  ، إذ ربما لن يكون هناك بالسماء نجوما، أو سأقضي الليل بترقب تلك النجوم حيث كانت لهفتي تشتد لرؤية الصباح الذي بعدت المسافة بيني وبينه.

قبل كتابة مقالي جلست أناجي الله وحدي, تحدثت طويلاً وبكيت كثيراً وشعرت بفيضٍ من الراحة والرضا يغمر قلبي فلم أملك ابتسامة واسعة تبللها الدموع, سجدت شاكرة وأنا أفكر, أشعر في هذه اللحظة المتوهجة إنه قد يذرف القارئ دمعتين  عندما استطردت في المقال,

وأدرك بهذه اللحظة إنني بدأت أفكر بتلك الكلمة التي سأكتبها وأرغب بالتفكير بها بصوت رفيع, ولا أخفي عليك إحساسا داخليا يلبسني ويسكنني وقد لا أصل إلى ما أريده هنا في مقالي, هناك أشياء كثيرة حد الدهشة أريد التحدث عنها ولكني أجد نفسي عاجزة عن ذلك, بت لا أغادر المعنى خوفا من أن يستدرجني القلق ويحاصرني هنا وهناك, ولن أستسلم رغم إنني إنسانة مجبولة على الشفافية,

كنت دائما ولا زلت أتحدث إلى نفسي ماذا يفعل المرء عندما يخطأ في حق الغير دون قصد, وهل نحن نحتاج دائماً  إلى المثل العليا لتبرير أي شأن مهما سما،أم هناك خرق في المعايير الأخلاقية, أدرك أنه سؤال صعب لجواب قد يكون صعبا أيضا, هذا ما شعرت به عند تجاوزي وأنا أحاول هنا استرضاء ضميري, أعترف لعلني فقدت صدق نبلي  قليلا  فأخذت أفكر بقلق كبير، وقررت نعم قررت بيني وبين نفسي أن أعيد شحذ شهامتي وضميري وان أعيد ذلك الالق الضائع، وان أسن سيف النبل الذي صدئ في داخلي مرة يا لها من يقظة داهمتني قبل فوات الأوان !

كنت أتكئ على حافة الطاولة و كأني أقص عليك بعض ما أشعر به لعلني أعيد لمقالي هيبته, وأيضا أريد أن يصل للقارئ بأكثر إجلالا وجرأه وجمالا,  أن ميزة مقالي الأساسية أن تمنح القارئ صدقي  وتملأ روح شخصية هذا المقال احترامي واعتذاري, الذي ترجل مني آه لو تتسع لك الاعتذارات والانحناءات أيتها الفاضلة,

إذا عرفت أيها القارئ وراء هذا المقال شخصية ما حينها سوف تكف عن الاستغراب والدهشة وتتابع القراءة دون تعجب, ألم أقل لك إنني شفافة حد الرقة كيف تتخيل  أن هناك تناقض ما, أو نسيت إن الأسود يناسب الأبيض وأن الليل يواجه النهار, ولابد هنا من الاستسلام كي أتجاوز الحدث لأبدأ بمقالي, وأجد نفسي قادرة على طرح الفكرة لإيصالها لمن له نصيب فيها, وهنا وبصدق اشعر الآن نعم مجرد شعور,

هناك شيء ما يقع على رأسي ويخترق عقلي وقلبي فاصرخ قائلة: لقد أدركت الموقف وعشت أبعاده ولن أتردد إن قلت بعفويتي إن هذا المقال يشبهني تماما, أعذروني فالكتابة حالة خاصة جدا قد تأسر وتدهش البعض في سريتها وغايتها وخصوصيتها, هذا هو الذي يشجع القارئ المحترف للبحث عن المغزى بطريقته.

كنت أفكر وأنا اكتب هنا بتلك البساطة  والتواضع  في نبل وكرم ورقي هذه الإنسانة, عندما قدمت اعتذاري الصادق لتلك النبيلة قابلت اعتذاري بنبل باذخ, بل احتوتني بإنسانية صافية وكلما أتذكر تزداد سعادتي ويزداد قلبي حبا واحتراما لها, وقد جعلني نبلها وعفوها اشعر بالخجل والحرج من نفسي إزاء تسامحها السريع وتحفظها الشديد, كان هما كبيرا قد انزاح عن صدري لم يكن لدي ما يمكن أقدمه لصاحبة العفو,

وأصابتني الحيرة حتى هدأت و اهتديت أن أصلي ركعتين شكرا لله, ودعوت ربي أن يقضي حاجة تلك الشخصية الفاضلة, والتي ستصاب بالدهشة من خذلاني إياها حيث طلبت مني بعدم إثارة هذا الأمر وعدم الاعتذار  هنا, لتكمل معي إنسانيتها النبيلة ولكن أبيت ذلك إرضاء لروحي ومثلما عرفتها وجدتها, والآن لم كل هذا البوح ؟ لا أعرف بالضبط وليكن بوحي هكذا, وهناك الكثير في حياتي يدفعني للبوح, ولكن ليس هذا بيت القصيد بل هناك رغبة جادة في أن أحقق الهدوء داخلي.

 وأخيرا المحك يا سيدتي الفاضلة هنا وأنت تبتسمين كالقمر بين النجوم, ترفعين شعار التسامح, أنت وحدك من أسرني بعفوك وشهامتك والتي بها أيقظتني من حرج كاد أن يورثني وجعا,وأنا أشعر بالفخر والرضا لأني نلت شرف الكتابة عنك بعد أن تمردت على حدود الصمت, ما أجملك وما أجمل روحك حيث للنبل جمال آخر, وهنا أنحني لك حتى يطأ جبيني الأرض تقديرا لك.


الخميس، 29 سبتمبر 2016

خطاب المنبر الحسيني



علي عيسى الوباري

اقوي  عوامل التربية و السلوك المؤثرة في الأمم هي ما تنتج من مبادئهم الدينية و مورثوهم التاريخي و الثقافي و تجاربهم ، لأنها نابعة من مواقف أصيلة مدعومة من قيم و مثل دينية و نظريات فكرية و تربوية متراكمة تتجسد في الأقوال و الأفعال و الممارسات الحياتية ، و تتأصل هذه القيم في شخصية المرء حتى تصبح اعتقادا صلبا من الصعب بل من المستحيل تغييره ، لان هذا المعتقد تغرسه و تعززه التوجيهات و التعليمات الدينية المتمثلة بأحاديث نبوية و روايات دينية و تقوى هذه المعتقدات و الثقافة بتأكيد صحتها بمرور الزمن و بعقلانية مبادئها و قيمها ، بانطباعها على شخصية معتنقها بحيث تصبغ شخصية المؤمن بها صياغة واعية تجيد التعامل مع الأحداث و التغييرات من حوله ، خصوصا إذا كان هناك أداة تذكر و تستنبط معانيها و قيمها و ملائمتها لكل زمان و مكان ، تجدد وهج الحادثة بشكل دائم و تعيد ضخ دماء جديدة في عروق الحدث التاريخي و تبين هذه الوسيلة ما يستجد من وقائع و أحداث بحيث تتواكب هذه الحادثة مع حوادث العصر ، و تبين تداعيات التغييرات المتسارعة ، هذا سر قوة الأداة التي تحلل و تترجم و تفسر الأحداث المتغيرة مع واقعة الطف من خلال المنبر الحسيني فوجود الوسيلة  التي بقيت صامدة في ظل التطورات العصرية من وسائل حديثة  مواكبة للعصر  بشكل جذاب. المنبر الحسيني هو خطيب و حضور يقف بشكله التقليدي و جوه الروحاني المغذي للخطاب الحسيني شامخا يؤدي دوره من سلسلة ادوار يتحملها المنبر الحسيني ، لولاه ما بقيت هذه الثورة الحسينية بعطائها الروحي و المعنوي  رغم استحداث أدوات أخرى مثل المسرح و الفضائيات و وسائل تقنية الاتصالات التي سيطرت على عقول الكثير ، ألا إن بقاء المنبر صامدا و متجددا في قلوب الموالين يستنشقون هواء معانيه و يشمون رحيقه المبثوث من روح مفجر كربلاء و صانعها سيد الشهداء أبي عبدا لله  عليه السلام  هو احد أسرار واقعة الطف .
إن المنبر الحسيني المتكون من قاعة و منبر يتفاعل فيها الخطيب مع المستمعين ) المرسل و المستقبل (  يكون القاسم المشترك بينهم الإحساس و العاطفة و قواسم الأفكار و الأهداف و الرؤى تعززها المعاني والمبادئ التي تتجدد سنويا بذكرى المصيبة .
و لأهمية هذا الصرح العظيم نشير إلى الإشكالية في نص الخطاب الحسيني  و مضمونه المتكون من مجموعة مفردات وكلمات و معاني يتلقها الحضور و المتفاعلين باستمرار، مطلوب من الخطيب أن يحاكي القضايا العصرية و استيعاب المستجدات من أحداث و تغييرات في جميع أمور الحياة ، أيضا  الربط المادي و الروحي ما بين الأصالة و الحداثة في زمن كثرت مصائبه و تعددت أحداثه و تميز بتسارعه الذي يفرض على المرء نسيان مأساة أمسه لشدة مصيبة يومه ، هذا التحدي الحقيقي في مضمون الخطاب المنبري على مجتمع أثقل بأولويات المعيشة و الأمان .
ما نحتاجه من خطاب المنبر الحسيني  أهداف متنوعة و متجددة  لمعالجة الهموم الحياتية و الاجتماعية ، كذلك إسقاط مواقف واقعة الطف الملهمة للنفوس و الهمم بالمناعة الروحية و الواقية من السقوط في مستنقعات المغريات المادية، من هنا ينبغي أهمية التمييز في خطاب المنبر الحسيني ما بين سرد القصص و الوقائع كما هي أو إخراجها بمضمون فكري و منهج علمي تفكك النصوص و تدقق في الكلمات و المعاني لتفسير الأحداث العصرية و تفرز دلالات النصوص و الأحداث التاريخية و ربطها بعضها ببعض برؤية اجتماعية مشتركة ، و ليس بمنظور شخصي فردي تنتجه شخصية الملقي على المستقبل بحيث يفرض رؤيته الأحادية في عصر الأحكام الجماعية و القرارات المؤسساتية و الديمقراطية ، مما اعتبره الكثير احد إشكاليات خطاب المنبر الحسيني الحديثة المفروضة من رؤية أحادية تحولت إلى  وصاية على الفرد و المجتمع ، نتجت عنها سلبيات على المتلقي ، أو على الأقل  فقدت حلقة التغذية المرتدة و الاستجابة للخطاب .
إن التفسير الأحادي و فرض الرؤية الفردية لا تتناسب مع معطيات المنهج العلمي في مناسبة تهم الجميع و يتفاعل معها بشكل جماعي ، حيث يأمل الموالي بتحليل علمي و منهجي لإحداثها و تفسيرها للأحداث العصرية ، و كيفية استيعابها لكل ما يستجد من أحداث و مصائب في عصرنا الحديث ، يفترض من الخطيب الحامل هموم بيئته الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية متفاعل بأحاسيسه و شعوره العاطفي و العقلي مع جمهور المستمعين أن يتمكن من تحليل النصوص و الوقائع المصاحبة لمصيبة الطف .
 إن إدماج النص و ما يحمله من معاني و مواقف نابعة من الحدث التاريخي و إسقاطه على الأحداث العصرية المشابهة التي تنسجم مع واقعة الطف هو الفن المؤثر في الخطابة الحسينية التي تجذب المستقبل و تستحوذ على عقله و عاطفته بحيث يتزامن الفكر و القلب في ترجمة المعاني و المثل السامية و العاطفة الجياشة المخلصة من حادثة نعيش بها و تعيش في كياننا .


أول حسينية كويتية



د .عبدالهادي الصالح

بفرح تلقت الحسينيات مؤخرا إنجاز وزارة الداخلية تأشيرات دخول خطباء المنبر الحسينيات، والاهتمام الأمني الكبير بروادها، فلهم الشكر والتقدير، والدعاء بأن يحفظ الله البلاد من كيد الأشرار والفجار.
توصف الحسينية بأنها مكان لإحياء ذكرى استشهاد سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي بكاه وهو في مهده وليدا، إشارة للمسلمين بعظم فاجعة كربلاء، وما تنطوي على لوعة وحرارة تتجدد في قلوب المؤمنين، تدفعهم دوما لحمل هم الإسلام والمسلمين، والسير نحو إصلاح واقعهم، وهو هدف أعلنه الإمام الحسين عليه السلام.
والحسينية بدأت بجلسة عزاء عائلية لأهل البيت النبوي بعد سنة ٦١ هجري، يحييه رثاء شاعر متفجع.
ثم تطورت، وتجذرت بتشجيع من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وكانت سببا رئيسيا لاستمرار هذا الخط الإسلامي الشيعي، رغم كل التحديات التاريخية.
ومحليا نشأت الحسينية مع بداية نشأة الكويت، واتخذت جلسة خاصة للأقارب والجيران، يحيون خلالها «عاشوراء الحسين عليه السلام» ثم تطورت الى جعل مثل هذا المكان وقفا شرعيا.
وكانت حسينية سيد علي الخباز أول حسينية رسمية سنة ١٨٥٦م ثم تعددت بمساهمة وتشجيع أهل الكويت وحكامها من آل الصباح الكرام، بل ساهمت الحسينية في رسم تاريخ الكويت السياسي والديني والاجتماعي.
ومن ذلك اجتماعهم في الحسينية الخزعلية (المسماة الجديدة الآن) ثم توجههم مشيا على الأقدام، وممسكين بالسيوف بقيادة المرجع الديني المرحوم مهدي القزويني، (ومجموعة أخرى اجتمعت بقيادة المرحوم الميرزا علي الحائري) الى قصر نايف لمطالبة المرحوم سمو الشيخ احمد الجابر بالسلاح للمشاركة في معركة الجهراء سنة ١٩٢٠م.
وهكذا مع بناء أسوار الكويت، وسنة المجلس، وتفشي مرض الطاعون، وسنة الهدامة، وعام الهيلق... الخ حتى في سنة الاحتلال ١٩٩٠.
وأغلب الحسينيات الآن يمتد تاريخ تأسيسها الى بدايات القرن الماضي وما قبله.
انظر بتوسع:
- لمحات من تاريخ الشيعة في الكويت للدكتور عبدالمحسن جمال.
- الأوقاف الجعفرية الكويتية (الظروف الجغرافية والسياسية والتشريعية) للدكتور عبدالهادي الصالح.

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

شرح مقطوعة " سميع إيل "



رياض الشيخ باقر

سميع إيل
--------------

نظر نظرة في النجوم
فرأى ملائكة إيل تحمل السلاسل
خمسون الف سلسلة
أذرعا سبعون يسجرون
يسحبون الجبال و الوديان
يضربون بها البحار كي تمور
فبكى جبل الشيخ
و سالت دموعه من عمامته البيضاء
و قال : يا أبتي افعل ما تؤمر
ستجدني من الصابرين
سلام على آل شيخنا آن
أفبالعذاب يستعجلون أم مؤمنون
هي زجرة واحدة من الف الف
فإذا هم ينظرون

الأرض رجت رجا
أما البحار فقد مارت مورا
و أخذت الجبال فسيرت و بست بسا
ريحا صرصر عاتية قلعت جذع النخل
أما وحوش الأرض فأخذتهم الصاعقة
و دكت الأرض دكا دكا فأبتلعت آثارهم
عندها كان آن في الهباء يجود بنفسه
يبحث عن باقيته
فلا يرى لها أثر
صرعا كأنهم  أعجاز نخل خاوية

ثم نظر نظرة
فأرتد اليه البصر خاسئا
نظر الى السماء فإذا هي كالمهل
و نظر الى الجبال فإذا هي كالعهن
فأوى الى الكهف عله يجد رحمة
و يهيئ له من أمره رشدا
كان إيل في العماء يحن عليه
يناجيه فلا يستجيب
و يناديه فلا يسمع
فأذني آن مضروب عليهما لسنين عددا
يتقلب ذات اليمين و ذات الشمال
فقد كانت الأرض تحت أقدام آن
ترج رجا
و البحار مسجورة
و الجبال مدكوكة
يصارع ريحا صرصرا عاتية

لا يرى لإيل طريقا ليعبده
وما خلق أيل خلقا أحب اليه من آن
كان إيل يتودد الى آن و يطلب رضاه
حتى عزم آن و حزم أمره
شق صدره و اخرج الحمأة السوداء منه
فسمع آن صوت إيل
 يلهمه طريق الخير

آن !
اخلع نعليك و ألقِ قميصك
آن
خط بالقلم
آن !
اغزل الصوف وضعه في سم الخياط
آن !
ابني لي سفينة
و ارفع قواعدها عن الأرض
آن !
قدم لي قربانا
احد أبناءك قربانا
لا اقبل بغيره قربانا
و اطل الألواح بلون دمه
و اشددها بعروقه

آن !
احمل في السفينة أربعة من طيورك
و أرسي بها على الجبال الأربع
فإذا وصلت السد
أضرب بعصاك الجبل ينشق لك البحر
فتخرج لك الناقة من جوف الجبل
عندها سر بعين أيل تحرسك
حتى تبلغ مجمع البحرين
عند الصخرة اربط حوتك
و اخرق السفينة و اركب الناقة
لا تقتل الغلام فقد ارعوى
و اهدم الجدار فلا كنز تحته

آن !
لا تجزع
بإمتحاننا لا تجزع

حتى إذا أكلت دواب الأرض منسأتك
فالبخيت من ولدك يا آن رميتي
و ذو القرنين سيفي
و النضر من ولدك بهجتي
و إيلافات زيد ذخري و ذخيرتي
و طيور أبابيل شيبة الحمد عدتي
و احمد المحمود في السماء مرتضى غايتي
و نسل فاطم سفينتي
فاركب في السفينة و سبح بحمدي
و قل قول القربان
لك العتبى فخذ حتى ترضى

آن !
لقد رضيت بك خَلِيلا
فاجعل قلبك عرشا لي

و لمثل هذا فليعمل العاملون

----------------
رياض الشيخ باقر
بورتلاند / ولاية أوريجن
الأحد /٢٨/ ٨/ ٢٠١٦

و كتبت هذا الشرح للمقطوعة:
---------

إيل = اسم الإله في اللغة الكنعانية
أي العالي الذي في السماء
آن = السيد في الأرض من البشر
وهم الأنبياء و الأولياء
و الإشارة خاصة الى عدنان الجد الأكبر لرسول الله محمد

سميع إيل
هم من تلقوا الوحي ( الأنبياء )
إشارة عامة لهم
و إشارة خاصة لنبي الله إسماعيل الذي ينحدر من صلبه خير البشر محمد ص و آل عدنان قاطبة
تقول الميثولوجيا
أن هناك علاقة و ترابط بين أحداث الأرض و حركة النجوم و الكواكب
لذا هو نظر اليها لا ليعبدها بل ليدرسها و ليعرف سَنَن الله فيها
ومن هنا ترتبط هذه العلاقة بالدورات البشرية كل خمسين الف سنة
وقد اشرت اليها بالسلاسل
و رمز طولها ٧٠ ذراعا هي استعارة من القرءان الحكيم ، و كأنما السنن تقوم عندما تأخذ الملائكة هذه السلاسل و تضرب بها الأرض و الجبال و البحار ، فتقوم قيامة القائمة و يهلك البشر

جبل الشيخ
هو جبل الجولان و هو إشارة الى بلاد الشام بلاد كنعان ( حيث إيل و آن أسمين كنعانيين ) التي تسمى بلاد آدم حيث البقية الباقية من البشر الذين ينجون من كوارث الأرض حين تقوم القيامة ، كي يقوموا من جديد و يجددوا التكاثر البشري و تبدأ دورة جديدة من دورات آدم

زجرة واحدة من ألف ألف
إشارة الى قوله قبل آدمكم هذا الف الف آدم

افعل يا أبتي
هي إشارة الى من أعطى البشرية روحه فنفخ فيها
وهي إشارة الى من يمثله من الأنبياء كما ورد تسميتها في القرءان لنبي الله ابراهيم عليه السلام
كذلك هي إشارة الى الأوامر الملقاة على السنن الكونية التي هي في مقام الرعاية ولو قست و تجبرت و قائلها الحسين بن علي ع على لسان جده إسماعيل

ثم أخذت أصف ما حدث للأرض بعد أن ضربها الملائكة بالسلاسل ، وهي كلها صور قرءانية ذكرت في سُوَر القرءان الحكيم

عماء في السماء وحين تضرب ملائكة إيل بالسلاسل يصبح هباء في الأض

الكهف
هي قصة اهل الكهف في السورة المباركة
وهي تحكي ما حدث للخلق البشري الأول ( الطيني ) وما يحدث في دورات آدم كل خمسين الف سنة حيث يتقهقر الإنسان و يرجع الى الوراء جاهلا متخلفا ، يعيش في الظلمة ليبدأ رحلة العروج الى النور و يكتشف اسرار الله في الأرض بعدما ينهل العلوم و يتلقى المعرفة
عندما يتلقى آن المعرفة و العلوم
يكون جديرا بمعرفة إيل الذي يترقب من حبيبه آن أن يناجيه ، بعدها سيسمع آن وحي إيل
ثم يرتقي آن درجات الصعود الى السماء حيث إيل بعدما
يخلع نعليه
يلقي قميصه
يتعلم الخط و الكتابة بالقلم
يتحضر و يلبس الثياب و يستر عورته
يؤسس دعوة لله ( السفينة )
يرفع القواعد ( يضع الدساتير باسم إيل ) و مركزية بيت الله المحرم
هنا
يصل آن الى مراتب العشق
عندما يصل آن الى مراتب العشق
لا يكتفي العاشق و المعشوق إيل في ما فعله آن ، بل يطلب منه قربانا كدليل عشقه
وليس كل القرابين عند إيل مقبولة
بل
احد أبناء آن
أحسنهم و أفضلهم و احبهم اليه
وطلب منه بعد أن يذبح أن يطلي بدمه اللواح سفينة نوح و يأخذ عروقه حبالا  يشد بها الألواح بعضها ببعض
ثم يبدأ مشوار الدعوة في توحيد إيل
مشوار دعوة التوحيد الحنفية عندما قام الجد الأكبر لهذا القربان( الحسين ع ) بأرسال اكبر دعاته الأربعة و أفضلهم ( أربعة من الطير ) الى الأقاليم الأربعة ( الجبال ) و بهذا عرف إيل و عبد و وحد
تستمر الحنفية بقياد آن و يرسل الرسل
منهم من أعطاه ناقة ومنهم من أعطاه عصا كي يعبر بقومه البحر ومنهم من تشرف بلقاء آن شخصيا عند الصخرة ثم عند مجمع البحرين
فقامت مملكة أيل على الأرض عندما أقام الجدار و خرق السفينة و حمى آن مملكة إيل عندما قتل الغلام
لكن ذلك لم يدم طويلا
و جزع آن
فقد قام الرعاة و الهمج ( دابة الأرض ) و أطاحت بفرع من فروع مملكة إبل التي اقامها في الأرض عندما ( أكلت منسأته ) فخر الى الأرض
لكن إيل لم يسخط
فقد
هنا تدخل حفيد آن
الظافر الميمون من ولد نزار فسبى الدواب الرعاة
ثم جاء ذو القرنيين مأمورا من النضر  حفيد آن و استقامت مملكة إيل فترة من الزمن على يد أحفاد آن
قريش الأكبر و قريش الأصغر و شيبة الحمد
ثم
الأحمد في الأرض و المحمود في السماء
لأن السفينة التي بناها نوح ما كان لها أن تمخر البحر و تتواجه الموج و لطماته لولا دماء القربان الذي رأه كل الأنبياء و عوفوا انه من نسل سميع إيل و سِبْط محمد
لكم العتبى فخذ حتى ترضى
هو قول الحسين ، كما قال افعل يا أبتي ما تؤمر
هذا هو الحسين بن فاطم

فصلوا عليه و على أمه و ابيه وعلى جده
و اجداده من آل عدنان من آل إسماعيل من آل إبراهيم
-------

هم العدو فاحذرهم!

 د .عبدالهادي الصالح



نذكر فلسطين العربية الإسلامية، بلد المقدسات! مازالت مغتصبة من بني اسرائيل أعداء الله وأعداء الإنسانية.
صدح القرآن الكريم بمعاناة نبي الله موسى عليه السلام والناس منهم 136 مرة، أكثر من أي نبي آخر. كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم.
ويسعون في الأرض فسادا! موقفنا واجب شرعي مبدئي عقائدي. لكن تكالبت عوامل تريد مسح القضية من وعي الأمة، وإلهاءها:
1- التطبيع البطيء، حتى أشار اليه الصهاينة بقولهم «تحت الثلج مياه تجري كثيرة»!
2- اختراع «داعش» التكفيري حتى تعدت ضحاياه، ضحايا فلسطين منذ 1948.
3- المعارك الطائفية واثارة النعرات العنصرية، ودعم أسباب الكراهية، وإلغاء الآخر.
الكويت رسميا وشعبيا، صمدت ولها جهودها الكثيرة في دعم القضية الفلسطينية، ودعم الصمود الفلسطيني. ولذلك هال الجميع عدم انسحاب الوفد الكويتي أثناء إلقاء كلمة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام!
نرجو ان يكون خطأ غير مقصود، وليس شيئا آخر لا سمح الله تعالى!

يوميات مصرية - الحلقة الثانية


 زكي السالم 

     الصديق المصري الجميل محسن مكرم تركته قبل ربع قرنٍ شابّاً مُتحمساً في العشرينات من عمره وها أنا ألاقيه الآن في الأربعينات ولكنه ما زال متورداً بهيّ الطلعةِ مشرق البسمَةِ و كأن هذه السنين الطويلة لم تزدهُ إلا ألقاً وبِشراً وحيوية .

    كعادتِهِ تلقَّانا بالأحضانِ وبهداياً تنمُّ عن حبٍّ وكرمٍ واشتياقٍ ، طلب الإذن بالانصراف ليتركنا نرتاحُ من عناء السفر - حسب قولِه - ولكنّي طلبتُ مِنْهُ البقاءَ معي بغرفتي لبضع الوقت فقد كنتُ متلهفا لسماع أخبارِه و ما غيرته السنون من ظروفِهِ .. يوم فارقته كان أعزباً واليوم أباً لابن وبنت في المرحلة الثانوية من دراستهما ، كان أخوهُ مايكل طفلاً في المرحلة الابتدائية والآن شاباً وخاطبا وقريباً زواجُه وووو .. والحديث يطولُ والذكريات بمُرّها وحلوها لا تنتهي . لم نلتفت إلا وساعتان مرتا علينا حين هاتفنا عبد الله وطلب منا النزول للعشاء وشراء بعض المستلزمات .

    حينَ علم صديقي الشاعر الجميل هشام مصطفى بقدومي أصرَّ أن يلقاني الليلة فاتصلتُ به وأخبرته أننا بأحد المطاعمِ الشهيرَةِ بشارع فيصل فجاءنا خلال دقائق والتحق بنا على العشاءِ ، عرّفتهُ على الأصدقاء الخمسةِ
فسٌرَّ بمعرفتهم وسعدوا بمعرفتِهِ ، عندها اقترح هشام أن  ناخذ جولةً حرّةً بالقاهرةِ ونزور أحد المقاهي الأدبية لنحضر أمسيةً ثقافيةً هُناك إلا أن وصولنا المتأخر حال دون استمتاعنا بالأمسية ، بعدها توجهنا لميدان طلعت حرب ودخلنا جاليري ( الجليريون ) حيثُ الشعرُ والثقافة يضوّع أريجُهما المكانَ وكانت كل طاولةٍ تُحيطها ثلةٌ من المثقفين وأرباب الفكر ، لم نشأ اقتحام أيٍّ منها ولكن اكتفينا بدائرةٍ شكلناها نَحْنُ الستةَ كان للشعرِ قصبُ السبقِ بها .

    هشام و محسنُ لم تزلْ أصداءُ يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 بكل تجلياتها تصك آذانهما ولم يزالا فخورينِ بما حققته لهما فكأنهما يودّانِ إخبارَ الدنيا بكل جزئياتها وما دارتْ في ميدانِ التحرير من ذكرياتٍ و بطولاتٍ صنعها الإنسانُ المصريُّ بما امتلك من عزمٍ و طُموحٍ كبيرينِ .. أصرّا أن يمرّا بِنَا على ميدان التحريرِ والذي جلنا بأرجائهِ نتلمَّسُ وقعَ خطىً مرّت من هنا وامتدادَ أيدٍّ أومأت قبضاتُها بعلاماتِ النصرِ وصدى صرخاتٍ جلجلت هنا و زحامَ طوفانٍ بشريٍّ تكتّل كالبنيانِ المرصوصِ و طوابيرَ دفعتها شوارعُ و زواريبُ تًُحيطُ بميدانِ التحرير وتصبُّ أمواجُها البشريةُ فيه ، قد تختلفُ أو تتفقُ مع أهدافِ و رؤى هذا الحشدِ الذي شهده يوم الـ 25 من يناير ولكن حتما سيُعجبُك ذلك الإصرار والثباتِ على الموقف .. كُنَّا سعداءَ ونحن نجوبُ الميدان في هذه الساعةِ المتأخرة من الليلِ وكنا نلتقطُ الذكريات التي عشناها إعلامياً معهم كمن شهد أحداثَها عياناً .

        صباح الجمعة الـ 29 من مايو نزلنا لمطعم الفندق لتناول إفطار شهي مزانٍ بالأكلات المصرية المحببة إلى نفسي - فأنا عاشق للمطبخ المصري كعشقي لمصر - فالفول والطعميّة والجبنة القَريش والبيض كان عبقُ رائحتها يُنعش الأنوفَ ويفتح شهيتنا المفتوحة دائما .
والرفقة الحلوة هي خيرُ محفزٍ للانقضاض على الأكل انقضاضَ مُودّع ، فقد كان معي أربعة من الصحب كانوا مثالا لعِظَم الخُلق وسموّ النَّفْس ولين العريكة وكأن الصديق الحليوة سيد مكاوي لم يعنِ سوانا حين قال : (  يا ليل طوّل شويّة ع الصحبة الحلوة ديّه .. )  أو كما قال غَيْرُه ( سهران معاكو الليلة للصُبح ليس إلا ) .

   لم نُحبذ مغادرة الفندق واليوم جمعة فارتأينا قبيل صلاة الظهر الاجتماع في غرفتي اجتماعاً عَلَتْه الضحكات و زانته المزحات بثقيلها وخفيفها ، و ما قطعَ قهقهاتِنا و أخرجنا من جنّةِ بهجتنا لنار كمَدِنا إلا صوتُ أحدنا حين فتح واتسابه وَيا هول ما قرأ .. كان خبراً وقع علينا كالصاعقة ..

و للحديث بقية

للفجر حكاية

علي عيسى الوباري


للفجر فيك ألف حكاية و حكاية..تنفك من بين اصابعي عقدة المسبحة و تبرز في اغصان الحياة عناقيد الألم..تذوب على راحة يدي شمعة الفرح و يختفي أمام بصري درب الفرح عندما اتذكر فجر 19..من عادة الفجر أن يبتسم بعد ظلام دامس.. ينتظر البدر ان يركع في محراب السجود..وعلى بوابة السحر تصحو المنارة للصلاة و الابتهال...للفجر ضحكة واسعة على بوابة المساء عندما يبتسم ثغرك للأذان...و للنجوم اطلالة الأمل في هزيع الليل و أنت تناجي ربك " اِلـهي لَئِنْ جَلَّتْ وَجَمَّتْ خَطيئَتى
فَعَفْوُكَ عَنْ ذَنْبي اَجَلُّ وَاَوْسَعُ " اِلـهي تَرى حالي وَفَقْري وَفاقَتي "..يا صيام لم حزنت في شهر الرحمة ؟ ...ماذا بقي من جرح الظلم في محراب الصلاة...من للأيتام في غسق الليل..ما زال ثغر الطفل مبتسما ينتظر جودك... الأرملة واقفة على باب رأفتك تحمل طفلها حتى يبقى نورك مشعا مع ضحكة ابنها في حضنك..سيدي من للمحراب في يتمه يبحث عن سجادة غيرك.....ابا تراب من للسائل غير يدك البيضاء المعطاءة في الركوع...هل بقي اصبع يتزين به الخاتم غير يد السخاء..سيدي للصوم فيك حكاية الحزن...      و ثوب العيد مزقه الفراق على حافة سيف الغدر..من للضعيف و المحروم عندما يسكن الليل و تنام العباد... السحر في صمت طويل و الفجر في كابوسه يأن من الوعيد...في لحظات الحزن..الشمس تنتظر تسبيحك و سجدة الشكر..يتوقف القمر وسط السماء يبتهل لك بالشفاء.. يا تبر على التراب ما زال قبلة للزوار...ستبقى محير للعقول و ميزان صدق النفوس...سيدي ذكراك يجدد الإباء و يشعل نبراس الحياة في دنيا الأوجاع و الجروح...خذنا في قبرك نتنفس الحياة من عرفانك...و نشتم رائحة الإنسانية من عطفك و حنانك.


الاثنين، 26 سبتمبر 2016

لقطة عن شاعر ( ١ )



فائق المرهون


شاعر اليوم هو الشاعر اللبناني بشارة عبد الله الخوري (1885- 1968) و الذي اشتهر بلقب (الأخطل الصغير) و غلب عليه ، و ذلك إعجابا منه بالشاعر الأموي الأخطل التغلبي ، حيث كان يكتب بهذا الاسم المستعار ، تخفيا عن سلطات الإحتلال الفرنسي ، التي أغضبتها أفكاره و آراءه السياسية المناهضة لسيطرتها على بلاده ، فأغلقت جريدته التحررية (البرق) عام 1933 .

عرف شاعرنا بثقافته الواسعة ، و اطلاعه على أسس الثقافة العربية ، و في مقدمتها القرآن الكريم و كتب السيرة و التاريخ ، بحيث لم تتعارض مسيحيته في تعمقه العربي و الإسلامي ، كما إنه تعمق في الثقافات الغربية ، وكانت مدرسة الحكمة و الفرير اللتان تعلم فيهما اللغة الفرنسية محفزا قويا له .
لذلك كان قومي الهوى ، عربي الجذور فكرا و تطلعا ، ممتطيا مسلك النضال السياسي ، مع المحتل العثماني و بعده الفرنسي ، رغم تعرضه للتنكيل و المطاردة .
كما إنه شاعر وجداني و عاطفي من الطراز الأول ، يعيش التجربة بعمق ، بحيث يسكبها صدقا و حيوية في أبياته ، فامتزجت قوميته بعاطفته شعرا جزلا ، يلهب الخيال ، تتدفق تعبيراته عنفوانا ، و انطلاقا في مفهوم الوطنية و الحب على السواء .
فيقول عن نفسه في أحدى قصائده المعروفة :

أنا في شمال الحب قلب خافق
وعلى يمين الحق طير شاد
غنيت للشرق الجريح وفي يدي
ما في سماء الشرق من أمجاد
فمزجت دمعته الحنون بدمعتي
ونقشت مثل جراحه بفؤادي .


عرف شاعرنا في الوطن العربي بلقب آخر أيضا وهو (شاعر الهوى و الشباب) نسبة لقصيدته الذائعة الصيت ، فكان الغزل و الوصف الحسي و المعنوي ، في مقدمة أغراضه الشعرية ، فلم يكن غريبا أن يكون أكثر من نصف ديوانه ، سابحا في أمواج هذا المحيط الهادر ، لكنه لم يكن كغيره من الشعراء ، فإذا كان تقليديا في أبياته العمودية ، فهو مجدد في ألفاظه وتناغم موسيقى أبياته ، عشق الجمال و الحب و الأنس ، كما تألم من الفراق و الضياع و الخوف و الحسرة ، يقول في رائعته (الهوى و الشباب) :


الهوى والشباب والأمل المنشود      
ضاعـت جمـيعـها من يـديّـا
 أيها الخافـق المعذب يا قـلبي          
نزحـت الدموع من مـقلـتيّا
فحـتم عـلي إرسال دمعـي              
كـلما لاح بـارق فـي محـيّا
يا حبيـبي لأجـل عينيك ما ألقى        
ومـا أول الـوشـاة عـلـيّا
أأنا الـعاشـق الوحـيد لتلـقي            
تبعـات الهـوى على كـتفيّا .



أبدع شاعرنا في تنوع أساليبه الشعرية في الغزل ، فلم يكن غزله تقليديا كالقدماء بشكل بحت ، ففي السبك كان أكثر ليونة و نعومة ، أما الخيال و اللغة الشعبية الحية فهي ميزة تشغف المتابع له ، كما كان الوصف لديه ، حالة خاصة من الجمال لم يبلغها شاعر آخر ، فامتزاج الثقافات ، و اختلاطها بموهبته الفريدة صنع لنا شعرا غاية في الروعة ، فكانت القصة الشعرية الغزلية ميزة له عن أقرانه الشعراء الكبار .
فحين شاهد امرأة جميلة ، تشكو الفقر و العوز ، و كانت باكية محطمة ، فقال :

 شكت فقرها فبكت لؤلؤاً
تساقط من جفنها فانتشر
فقلت مشيراً إلى دمعها
أفقرٌ وعندك هذي الدرر ؟!


لعل شاعرنا تأثر بتجربة الشاعر الأموي عمر بن أبي ربيعة ، فكانت محبوبته تحمل أسماء مختلفة  مثل عفراء ، سلمى ، نعم ، هند و غيرها ، مزجها بأسلوب القصة و الحوار لكنه لم يقع في فخ التقليد بألفاظ التكرار الحواري لدى عمر مثل : قلت و قالت ، بل خرج منها بشكل ناجح ،و بفضاء أوسع .
ومن جميل ما يذكر له هنا ، أن شاعرة بعثت له بصورتها ، و قد قطعت الصورة فلم يبق منها سوى الرأس ، و كتبت له في الصورة المقطوعة :

هاك رأسي و الرأس أشرف عضو
قطعته يدي لك استعبادا .

فكتب يرد عليها :

وصل الرأس يا سليمى و لكن
أخبريني لمن بعثت الفؤادا ؟


امتاز شعر الأخطل الصغير أيضا بقصر نصوصه ، مع قوة معناه في آن واحد ، و في ذلك مكمن قوة بحسب النقاد ، بحيث يجعل شعره أبلغ و أسهل للحفظ ، فأخذت الشهرة و الذيوع بشعره  لدى العامة و الذائقة ، فكان تكريمه في قاعة الأونيسكو ببيروت العام 1961 ، و تلقيبه بلقب (أمير الشعراء) و هو لقب لم يعطى إلا له بعد أحمد شوقي ، و هذا ما أثار غيرة و حسد بعض الشعراء منه .
فيقول في قصيدة ( قد أتاك يعتذر) :


قد أتاك يعتذر ، لا تسله ما الخبر
كلما أطلت له في الحديث يختصر
في عيونه خبر ، ليس يكذب النظر
قد وهبته عمري ، ضاع عنده العمر
حبنا الذي نشروا ، من شذاه ما نشروا
صوحت أزاهره ، قبل يعقد الثمر .


كان شاعرنا رائعا و دقيقا في وصف نفسه و أقرانه من الشعراء ، فقال في قصيدة من جميلات ما كتب :

كذبَ الواشي وخاب من رأى الشاعر تاب
عُمْرُه فجر من الحب وليل من شراب .

أن الوطنية و القومية المتجذرة في شاعرنا ، لم تكن من فراغ ، فانفعاله و تفاعله مع قضايا وطنه و عالمه العربي ، و حروبه و مآسيه المفروضة عليه ، جعلته شاعرا وطنيا من المصاف الكبير ، يقول في قصيدة ( وردة من دمنا) التي امتلئت فخرا و وصفا للثورات العربية على الإستعمار الغربي حينها :

سائل العلياء عنا و الزمانا
  هل خفرنا ذمة مذ عرفانا
المروءات التي عاشت بنا            
لم تزل تجري سعيرا في دمانا
يا جهادا صفق المجد له              
لبس الغار عليه الأرجوانا
شرف باهت فلسطين به              
و بناء للمعالي لا يدانى
إنما الحق الذي ماتوا له              
حقنا ، نمشي إليه حيث كانا .


في شعر الأخطل الصغير تشاهد روعة طبيعة لبنان ، فتتلاقى سهول البقاع ، و جبال صنين ، و ساحل صور و صيدا ، فكان شعره لا يفارق الجمال و الحسرة في آن ، و هو عاشق لمحرابه لبنان ، فلم يفارقه حتى الممات .
 صدر للأخطل ديوانان هما (الهوى و الشباب) و (شعر الأخطل الصغير) وفي هذه العجالة و الضيق ، لا يمكننا بحال استعراض كافة موضوعاته و تنوعات قصائده ، لكن ليسمح لي القارئ الكريم ،  بأن أرشح له بعضا من درره الشعرية ، التي تظهره عملاقا من أكبر الشعراء العرب في القرن العشرين ، فمنها على سبيل المثال :

بلغوها إذا أتيتم حماها
المسلول
يا عاقد الحاجبين
عروة و عفراء
رحمة ربي
غصة السراب
عش أنت إني مت بعدك .


و إلى لقاء مع شاعر آخر
تحياتي لكم .





الرمز و الكلمة و المناسبة



علي عيسى الوباري

بمناسبة يوم عرفة المليء بالمستحبات وهناك أياما كثيرة بالسنة مخصص فيها الأعمال المستحبة والمندوبة.
ترتبط هذه الأيام الفضيلة بأعمال وأوراد معتمدة على الكلمة والارتباط بالشخصية الدينية والنص الدال عليها.
الإنسان الصانع للتاريخ والمترجم لصناعته بالكلمات والأفعال لذا تلتصق شخصية الرمز في أذهان من تعاصره أو تأتي بعده، من خلال القراءة والسماع لانجازاته التي تحرك ما بداخلهم من مشاعر ومحبة، يتمنواالمشاركةً في تحقيق هذا التاريخ الناصع البياض معه المنقوش على جبين التاريخ.
كيف يعبر عن هذا الحب والولاء للشخصية الرمز محرك التاريخ ومغير الوقائع السلبية إلى واقع ايجابي ينهض بالامة تبقى حاضرة بالقلوب من خلال الكلمات المصاغة بالادعية والزيارات.
أئمة الهدى  ضحوا وقدموا انفسهم شهداء في سبيل الدين ورفع شأن الأمة أما بالمواجهه العسكرية الميدانية مثل الامام علي وابنه الحسين عليهما السلام وهو آخر الخيارت التي فرضها الواقع المرير الذي لا بد من تحرك ميداني نحو التغيير ولفت نظر الأمة إلى ان الوضع لا يمكن السكوت عليه أو بواسطة الدعوة والتغيير السلمي المعتمد على الدعوة بالكلمة والارشاد والتوجيه.
في هذه الكلمة المتواضعة ارتباط الرمز الديني والتاريخي بالنص الديني المقروء كدعاء أو زيارة وابتهال.
الرمز الديني هو من يوعي الفرد من داخله ويقوده إلى موقع الحركة ويضعه في محل الوعي دائم اليقظة يواجه عالم كثير الاحداث ومليء بالاغراءات المادية.
الشخصية التاريخية صانعة التاريخ هي الشعلة في درب التابعين والمحبين والملهمة لكل من يسير في نهجها المستقيم.
الأيام المرتبطة بالمناسبات الدينية التي فيها استحبابات صيام وصلوات وادعية وزيارات ربطت بالائمة المعصومين عليهم.
يوم عرفة ارتبط بالامام الحسين بطل كربلاء الرمز الديني التاريخي المعصوم الذي حرك النفوس وحفز العقول بالتفكير في زخرف الحياة واستنهض الهمم وبقي وسيبقى رمزا للمظلوم ولواء مستنكرا للبغي البشري وقاهر المستبدين. انه بطل كربلاء الثائر على الظلم والجبروت.
الكلمة هي الوسيط الافضل لبقاء الاتصال بالرمز الديني والبطل التاريخي الذي يجسد المعاني الدينية ويترجم اسمى السمو الإنساني للمخلوق
لا بد للكلمة ان تبقى رابطا قويا سواء دعاء او زيارة او مناجاة تقوي العلاقة الدائمة بين المعصوم والموالي لتتحول سلوكا إنسانيا راقيا ينتهجه بالحياة ويبقى عقل الموالي والمحب واعيا يعي ما يحدث في الحياة.
االمناسبة والرمز رابطها الكلمة تحرك النفس البشرية، لا بد من استحضار الكلمات بالدعاء والزيارة بشكل دائم لتبقى العقول واعية والقلوب متفاعلة.


الأحد، 25 سبتمبر 2016

سوء التسويق.. رحم الله الفنان الراحل محمد حسن


 د .عبدالهادي الصالح



إنجاز عظيم، يكرس دولة الرفاه، مثل قانون التأمين الصحي والذي يكلف الدولة ملايين الدنانير نظير ضمان صحة المتقاعدين بسقف 17 ألف دينار لكل واحد منهم، يواجهه الآن المستفيدون بالتهكم والسخرية والتعليقات التي تفرغ المشروع من إيجابياته، وتواجهه وزارة الصحة ببيان هزيل جدا، وغير مقنع!
لا شك أنها مأساة للتسويق الحكومي السيئ! رغم ما تملكه من أدوات إعلامية كثيرة. لكنها فشلت في التوضيح والتفسير لهذا القانون، واكتفت بنشره في الجريدة اليومية «الكويت اليوم»، وكأن الجميع يتهافتون على هذه الجريدة الرسمية الغائبة تماما عن أرفف الجمعيات التعاونية، بل وكأنهم فقهاء في اللغة القانونية! هناك أسئلة واستفسارات وملابسات كثيرة ومتفرعة عند هؤلاء المتقاعدين، للأسف ما زالت بلا إجابات شافية ووافية. فجعل المتقاعدين في حيص بيص!
والمتوقع كذلك الأمر أمام تنفيذ قانون العمالة المنزلية، والذي بشر المواطنين بخفض أسعار هذه العمالة التي أصبحت جزءا من كيان الأسرة في الكويت، فقد بدأ المواطنون بالتبرم والغضب مع تأخر تنفيذه، تحت ضغط الأسعار النارية التي يتكبدونها من قبل عموم مكاتب الخدم!
> > >
رحم الله الفنان الملتزم بدينه وخلقه الراحل محمد حسن الذي طالما رسم الابتسامات على وجوه الجمهور، وساهم في توصيل رسائل التوجيه والإرشاد الأسري والوطني. من أواخر أعماله تقمصه لدور الصحابي الجليل جابر الأنصاري، وهو يرثي الإمام الحسين بعد استشهاده «حبيب لا يجاوب حبيبا..» فأبكى الجمهور، ومنهم العلماء المعممون الفضلاء. طالما رأيته في مسجد الإمام الحسن عليه السلام بضاحية بيان مصليا ومنشرحا يسلم على الجميع بحرارة.. رحمه الله واسكنه فسيح جناته.

السبت، 24 سبتمبر 2016

نظرة في مفهوم البحث العلمي وكواليس تقبله في الأوساط العلمية


عادل البشراوي

هناك تقرير جديد يتحدث عن اكتشاف سلالة جديدة من أسلاف البشر, وأنها قد عاصرت "لوسي" أو (Australopithecus afarensis) ويحدد عمر الأحافير المكتشفة بـ 3.3 إلى 3.5 مليون سنة مضت, وهو تقريبا نفس الفترة التي عاش فيها نوع لوسي.

يقول رئيس فريق البحث د. يوهانس هايلا سيلاسي (Dr. Yohannes Haile-Selassie) أنه يتوقع الكثير من الإعتراض على المكتشف الجديد, لأنه قد لايتوافق مع بعض الفرضيات الحالية. وهو يضيف بأن هذا الواقع طبيعي في الأوساط العلمية.

أقول بأن الإعتراض وطرح الأسئلة والحجج والتفنيد هي طبيعة النقاشات العلمية وهي أيضا ما يعطي تلك الدراسات الصحيحة الزخم الذي يؤسس لقبولها لاحقا.

هذا في الجانب الإيجابي للنقاش, إلا أن هذه النقاشات قد يشوبها بعض المنغصات.
فالتصورات المسبقة والتي يتم على أساسها التكهن بنتائج معينة مبنية على فرضيات واستنتاجات عقلية بدهية قد يرمى بها في النقاش لتكون حاجزا وراء تقبل فكرة ما, وفي هذه الحالة فهي قد تسيء للنقاش.

الدكتور هيلا سيلاسي في التقرير يسترسل في كلامه ليقول بأنه قد آن الأوان لننظر في مراحل تطور الإنسان القديم بسعة أفق وألا ننستثني الأحافير التي لاتتوافق مع فرضيات باتت مسلمة.
وفي حديثه هذا معلومة مهمة, فالعلماء يميلون أحيانا لتبني تصورات وسيناريوهات لأشياء لم تكتشف ليؤسسون بها فرضيات تبقى في حيز البحث لحين إما التحقق منها أو تفنيدها, وهو شيء يبقى مقبولا إلا حين يكون محددا للنتائج.

تبادر لي وأنا أقرأ كلام الدكتور الأخير الفكرة الساذجة في مجال علم الأحياء التطورية والمتمثلة بالحلقة المفقودة التي بدأ الهوس بها في نهايات القرن التاسع عشر واستمرت لوقت طويل في الأوساط العلمية.

فقد وضع بعض العلماء تصور معين لسلف الإنسان مبني على فرضية أن تطور المخ في الجمجمة سبق تطور الفك.
وقد أدت هذه الفرضية –على الأقل في تصوري- إلى الحادثة الشهيرة والمعروفة بـ (Piltdown Man), وهي حادثة تعد بأنها أشهر عملية تزوير في مجال علم الأحافير والأحياء التطورية.

تمت الحادثة عام 1912 على يد عالم الأحافير شارلز دوسون (Charles Dawson) عندما زور جمجمة يحاكي بها الفرضية المطروحة لسلف الإنسان وقد ادعى ان عمالا وجدوا الجمجمة قبل الإعلان عنها بأربع سنين أثناء عملهم في الحفر في مقاطعة بيلتداون في انجلترا, وأنه جاء للموقع وعاين العينات بنفسه وقام بدراستها وتوصل إلى أنها تعود لسلف الإنسان الحديث.

وبالرغم من التشكيكات التي القيت على نتيجة البحث إلا أن موافقتها للتصور المبدأي واستعداد العلماء المسبق لتقبلها أكسبها الحصانة فتم تقبلها وتوثيقها وأصبحت حقيقة يبنى عليها, وظلت هكذا صامدة مدة 40 سنة إلى أن تم وضعها تحت المجهر ودراستها مخبريا عام 1953 ليتبين أنها عبارة عن توليفة من جمجمة بشرية لرجل من العصور الوسطى وفك سفلي لأورانغ أوتان عمره 500 عام وسن قديم لشيمبانزي, وضعت بعد تركيبها في محلول كيميائي لتزوير قدمها.
كان لهذا الكشف أثرا مدويا حينها, خصوصا وأن بعض العلماء يعزي إليها تضليل العلم والتسبب في تجاهل الكثير من الحقائق العلمية.

أما أهم مساهماتها التضليلية فهو المعارضة الشديدة للكشف الذي قام به عالم التشريح والأنثروبولوجي الأسترالي ريموند درات (Raymond Arthur Dart) عام 1924 في جنوب افريقيا والمتمثل بالعثور على بقايا عظام للـ (Australopithecus africanus) أما لماذا تمت معارضة الكشف؟
فقط لأنه يتعارض مع الفرضية التي وضعت مسبقا بأن سلف الإنسان لابد بأنه تطور على مستوى حجم المخ قبل تهيئة الفك لوظائف غذائية جديدة, بينما نموذج العالم دارت يشير إلى العكس.

نعود للكشف الجديد فقد أعطي لهذه السلالة ماقبل البشرية اسم (Australopithecus deyiremeda) أي أنها تندرج ضمن نوع الـ (Australopithecus) وحيث أننا لدينا للآن على الأقل ستة أفراد ضمن هذه العائلة التي بدأ تواجدها في القرن الإفريقي قبل 4 ملايين من السنين قبل أن تنقرض قبل مليوني سنة, فلا أستغرب أن يضاف لها فرد جديد أو حتى أفراد, بل إنني لن أستغرب لو تم العثور على بقايا لنوع آخر قد يكون امتدادا لنوع الـ (Ardipithecus) الأقدم والأقل تطورا, أو حتى نوع جديد لانعلم عنه شيئا البتة.

لكي أوضح كلامي قليلا, فقوى الطبيعة المؤثرة في الكائن الحي سواء منها الخارجية كنشاط الكائن ضمن السلسلة الغذائية وصراعه نحو البقاء, أو الداخلية المتمثلة بالطفرات الجينية والإنحراف الجيني جميعها تعمل بتناغم لتشكيل الكائن الحي, وقد أضيف هنا قوة لاتقل تأثيرا وهي التزاوج البيني (Interbreeding) التي حتما لها تأثير كبير في انبعاث أشكال مختلفة للكائن.

وللتذكير, فنخن نتكلم الآن عن الملايين من السنين, وما يبدأ بتغييرات شكلية ووظيفية طفيفة عبر آلاف قليلة من السنين حتما سوف يكون له تراكم كبير لهذه التغييرات عبر مئات الآلاف منها.

لاننسى أيضا أن تشكل السلالات ماقبل البشرية والبشرية بدأ قبل حوالي 6 ملايين من السنين أي نهاية عصر المايوسين مرورا بالبلايوسين وحتى البلايستوسين, وأن في هذه العصور حدثت تغيرات مناخية كبيرة على وجه الأرض وبالخصوص في المساحات الضيقة التي شهدت تطور أسلاف الإنسان, فمن تعاظم للصدع الإفريقي العظيم نهاية المايوسين وتشكيله لجدار يفصل القرن الإفريقي موطن تطور الأسلاف عن باقي أراضي وسط إفريقيا وتسببه في تكون السفانا الإفريقية شرق الصدع. ومرورا ببدء الترددات الكبيرة لزحف الجليد على وجه الأرض والتي واكبت بداية البلايستوسين قبل 2.5 مليون سنة.

كما أن الآثار التي وجدت في جنوب افريقيا لنوع الأوسترالوبيثيكوس تفيد بأن هذا النوع قد تمكن من التوغل بعيدا عن القرن الإفريقي نحو الغابات المطرية الإستوائية ووصولا إلى أقصى الجنوب, وفي هذا توسيع لدائرة المؤثرات الطبيعية التي واجهتها السلالات البشرية القديمة.
هذه كلها قوى كفيلة بأن يكون لها تأثيرات واضحة على جميع الكائنات الحية وليس فقط السلالات البشرية, وبالتالي فبرأيي المتواضع وخصوصا مع تطور العلم وتقنياته نحن مقبلون على الكثير من الكشوف الجديدة اللافتة والهامة.


الجمعة، 23 سبتمبر 2016

الأمركة (Americanization)



عادل البشراوي

تزعجني دائما مقولة أن لدينا كمجتمعات مشرقية وفي الغالب مسلمة من أسباب اللحمة أكثر منها للفرقة... وكأن قوى الفتنة تستحيل أمام الغباء.

فالفتنة في صلبها مجرد إعلام قذر يعرف كيفية اللعب على الأهواء والتستر وراء حجب الآيديولوجية السقيمة.

فعندما نتناول أوروبا كمثال للتسامح والتكامل الحضاري ونقول أنه بالرغم من تعدد إثنياتها ولغاتها وحتى مذاهبها إلا أن شعوبها تصالحت ومدت حبائل الود وكسرت حواجز الفرقة.
أقول أننا حين نتكلم هكذا قد نكون مخطئين!!

فاتحاد شعوب أوروبا ودولها ماكان إلا لغرض في نفس الإستكبار العالمي.

وقد لانفشي سرا عندما نقول بأن أوروبا نفسها طحنت بضراوة الحروب الدينية ولم تتمكن من العيش بأمان إلا بعد مشروع مارشال.

فقد اتخذت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وبعد تسلمها لواء الإستكبار العالمي من بريطانيا قرار هذا المشروع والرامي لإعادة اعمار أوروبا.

ظاهر المشروع هو الإعمار, بينما باطنه هو مابات يسمى بالأمركة (Americanization).

والأمركة هو مصطلح معروف حتى لدى الأوروبيين الذين استماتوا في محاربته ولكن دون جدوى, جتى أن شارل ديقول وهو أيقونة المقاومة الفرنسية وأعظم أذرع تحالف دول المحور ضذ النازية, كان مستمرا في رفضه للأمركة بعد أن استلم رئاسة فرنسا لسنوات بعد الحرب.

فالغرض من توحد أوروبا لم يكن أبدا سواد عيون الشعوب الأوروبية, بل هو في تمييع هوياتها وتجمعها في قوة تكون سلاحا في يد حامل لواء الإستكبار العالمي الجديد.

وقد كان لقوى الإستكبار ما أرادت.

اتحاد أوروبي بهوية أمريكية تضرب به شعوب العالم المقاومة والمناضلة نحو الحرية.

الوطن



عبدالله اليوسف ابو حيدر 


أجمل كلمه تعيش في الوجدان ويتعلم حبها بالممارسة والتلقين من خلال الأسرة والمدرسة والمجتمع من حوله فينمو حبه في كيانه
 فيدرس ويتخرج ويعمل في المجتمع ليخدم وطنه ويغرس شجرة الحب لتنمو في مدينته وتتفتح من خلال السلوك والمعاملة وكلما سافر خارجه وبعد عنه أعطى صورة جميلة عنه وحن واشتاق إليه وتذكر ماكانت تقوله أمه (خشمك خشمك لوكان أعوج )
وما كان يقوله أبوه (الذي ليس له وطن ليس له في الثرى ضريح)
اللهم احفظ الوطن وأهله وأتم نعمة الأمن والأمان والعيش الكريم .


الخميس، 22 سبتمبر 2016

الحقبة الناصرية ... سلب و إيجاب



فائق المرهون



كان ظهور جمال عبد الناصر (1918- 1970) في منتصف القرن الماضي ، حالة فاصلة في حياة العالم الثالث السياسية و الإجتماعية و منظومته الإقتصادية ، كأنه حجر كبير وقع في مياه راكدة ، ولكن هذا الحجر لم يركن إلى القاع ، بل صار يتنقل بين زوايا هذه البحيرة النائمة .
ليسمح لي القارئ العزيز _ بأن نسلط نقاطا من الضوء على هذه التجربة الثرية و الصعبة في آن ، بمناسبة ذكرى رحيل الرئيس جمال عبدالناصر السادسة و الأربعين ( 28 سبتمبر 1970 )  و من المحتم أن نجد في هذه الحقبة الجانب السلبي و الإيجابي ، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الإتيان بعمقها في مقالة أو عشر ، و قد سبقنا من هو أكثر إلماما و خبرة في عشرات الكتب و الدوريات .

لن تكون التجربة الناصرية هي الأخيرة ، التي تثير جدلا و مخاضا كبيرا ، طيلة وجودها الزمني ، و مابعد رحيل رمزها الأول ، و لكنها تظل غنية بمخزونها الفكري ، و حراكها الثقافي المؤسس لجيل جديد ، انتقل من الطبقية السحيقة و ظلم الإقطاع إلى عصر الإختيار ، و الشعور بالوجود في هذه البقعة من العالم ، و إن لم تخلو من استبداد الأب !

لقد شعر الشعب العربي بعمومه ، و المصري مخصوصا بنوع من الكبرياء المستعاد ، و بالخروج من شرنقة القهر و الذل ، التي كانت تصلي نارها على ظهره بأيدي المحتل و أدواته المحلية لا فرق ، فكان ناصر كالفارس الذي يمتطي ظهر حصان أبيض ، و الشعوب هي تلك الفتاة الحالمة به ، و ذلك من ما تملكته شعوبنا الشرقية التي تدغدها الرومانسية المترفة ، و إن كانت الشعوب الأخرى  لها حظ من هذا الترف أيضا !

في خطابه الشهير بعد نكسة يونيو 67 ، التي قصمت ظهر نظامه عسكريا و سياسيا ، برع في هذا الخطاب كعادته بعمق صوته ، و إحساسه المؤثر في جذب المواطن ، حتى و هو مكسور من هذه الهزيمة المدوية ، و تلك  تدخلنا في البراعة اللفظية و الحسية عند العرب حتى في عز انكسارهم !

لا توجد مبررات مقنعة إذا حاولنا الحيادية , و البعد عن التحزب ، تجعل ناصرا يسلك طريق القمع و السجون و ثقافة الخوف التي تتلازم مع طريقه في التنمية و البناء .

فهذا المواطن البسيط هو الذي خرج له ، في إنجازاته و كبواته بمئات الألوف ، إن لم يكن الملايين ، فما الداعي حين يخالفه عدة معارضين مهما بلغ عددهم ، بالأخذ بالشبهة و إعطاء رقابهم لمن لا يرحم .
كما أنه لا يمكن إغفال الأخطاء السياسية القاتلة ، التي وقع فيها نظامه كمثال سحب القوات الدولية التي مهدت لحرب يونيو 67 ، و تضخم نفوذ الجيش و العسكر على حساب الحياة السياسية و الإجتماعية للشعب ، و إلغاء التعددية السياسية التي كانت قائمة ، و من الإيجاز أن نقول إن سياسة ( المستبد العادل)  كمن يمسك العصا  من وسطها و في ذلك تكمن الصعوبة  .

يعلق أحد المعاصرين لناصر بأنه " يتفق مع ناصر في سياسة التحرر الوطني و العدالة الإجتماعية و مجانية التعليم ، و لكنه يختلف معه في الديمقراطية التي ظلت مؤجلة لديه ، كما يخالفه في انعدام مفهوم تداول السلطة و حكم الشخصنة " .
لقد كان بناء السد العالي إنجازا قوميا لمصر في عصر ناصر ، كما أن التحول لبناء المصانع و الطاقة البديلة ، و توجيه البنية التحتية للأرياف ، و ليس فقط للقاهرة ، عملا مهما في عهده .
لعل تأميم قناة السويس عام 1956 إنجاز أول في إدخال مصر للتحرر الإقتصادي ، كما أن اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن مصر في 1954 إنجاز وطني آخر .
مهما يكن من اختلاف الرؤى ، و الاتجاهات و النزعات و المواقف من عبد الناصر ، فمرحلته مهمة للغاية و تستحق المتابعة ، و إعادة القراءة و التمعن ، و لكن في المنطقة الوسطى ، ليست في التمجيد الأعمى ، و لا في العدائية المطلقة ، و تلك حكاية أخرى .





رؤية في عصور ماقبل التاريخ


عادل البشراوي


يقرر علماء ال Anthropology أن تمكن البشر من زراعة النباتات ومن قبلها الرعي أدى بهم إلى تغيير نمط حياتهم التي كانت في السابق تتبع أسلوب ال Hunter gatherer وبتغير هذا الأسلوب المرهق تأسست أول العناصر الداعمة للاستقرار ومن ثم تسهيل قيام الحضارات.

يقول هؤلاء العلماء أن البشر عرفوا الزراعة قبل حوالي 12 ألف سنة، وأنها -أي الزراعة- مع الرعي وفرت لهم ضمانا أكثر في وفرة الغذاء فأصبح هناك مجالا لأن يتفرغ بعض الأفراد للقيام بمهام مختلفة كالبناء وامتهان الحرف وغيرها بعد أن كان يتحتم على كل رجل القيام بمهام الصيد وتوفير الغذاء لأسرته في السابق.

كما أن هؤلاء العلماء يقولون بأن أول البشر الذين تمكنوا من الزراعة كانوا يقطنون منطقة الهلال الخصيب، وأن ماسهل عليهم التمكن من الزراعة هو حدوث طفرة جينية طرأت على نبات القمح فجعل بذوره أكثر وأسهل في ذره في الحقل.

هذا النمط الجديد في الحياة اخذ في الإنتشار والتطور شيئا فشيئا إلى أن تم للبشر بناء اول حضارة معروفة في وادي النهرين قبل ستة آلاف سنة، أي الحضارة السومرية.

يقول العلماء أيضا أنه مع بدء الحضارة السومرية بدأ البشر بتطويع المعادن وقد كان النحاس أول هذه المعادن ولكنهم بعد فترة وجيزة عرفوا - وقد يكون عن طريق الصدفة- أن سبك نسبة معينة من القصدير مع النحاس ينتج عنه معدن جديد أقوى من النحاس وهو البرونز.

وقد أعطى العلماء اسماءا تصنيفية لبعض فترات التاريخ استنادا للمعادن التي كانت تستخدم فيها، ولذا نقرأ عن العصر النحاسي والبرونزي والحديدي، على أن الفترات التي سبقت الحضارات كانت تعرف بالعصور الحجرية.

الملفت أن العصور الحجرية وإن كان يندرج تحتها تصنيفات فرعية إلا أن تسمية العصور الحجرية هي تسمية لفترات طويلة تمتد لملايين السنين، بينما الفترات المعدنية كانت تقتصر على ألف أو الفين من السنين.

يجب أن نعرف أن هذه التصنيفات التاريخية تعتبر قديمة وقد وضعت في القرن التاسع عشر، وبرأيي المتواضع فقد آن الأوان لإعادة دراستها ووضع تصنيف أكثر دقة يستند على ما أنجز مؤخرا في المجالات الآركيولوجية.

ما يدعوني للقول بإعادة النظر في التصنيف هو تلك المباني الحجرية العظية Megalithic Structures المتوزعة في كل أنحاء الأرض والتي يعود انشاء بعضها لأكثر من 12 ألف سنة.

أعي أن هذا الرقم صارخ وأن هذه الآراء الجديدة تستطيع نسف أغلب ثوابت التاريخ وعلم الإنسان ولكنها واقعا الحقيقة.

هناك تصنيف فرعي يندرج تحت تصنيف العصور الحجرية وهو العصر الحجري الحديث ويمتد من قبل حوالي 12000 سنة وحتى حوالي ال 5500 سنة أي بداية عصر المعادن، وأن البشر في هذه الفترة تطورت لديهم أنماط الحياة مستفيدين من الرعي والزراعة ولكنهم لايزالون يستخدمون الأدوات الحجرية.

ولو أقررنا بهذا الكلام سوف نواجه مشكلة، فهذه الصروح الحجرية العظيمة والبالغة في الإتقان والدقة المعمارية والتي كما أشرنا في السابق أقيمت في العصور الحجرية الأخيرة ليس من الممكن أن تنجز بأدوات حجرية!

وللمعلومية فإن الكثير من هذه الصروح قد يصعب علينا اليوم إقامتها، هذا مع كل التقدم المعماري والتقني الذي بين أيدينا.

ولكي اختصر وأعود لما دعوت له من إعادة النظر في دراساتنا القديمة وتقديم تصورات أكثر واقعية ومبنية على ماوقع بين أيدينا من حقائق، فمن المخيب أن نستمر في القول بأن البشر قبل سومر كانوا متخلفين.

ما أود قوله بإيجاز هو أن لي رأي مهما كان متطرفا إلا أنني أجد فيه واقعية قد تجيب على أسئلة كثيرة لدى وهو أن قبل سومر كانت هناك فترة تراجع حضاري تماما كما هو الحال في العصور الوسطى الأوروبية أو نهاية عصر البرونز في شرق المتوسط قبل 3200 سنة، على أن ماقبل تلك الفترة من التراجع الحضاري التي تحدثت عنها قبل سومر كانت عصور ازدهار وتطور بشري كبير.


ممنوع من النشر !



د. عبدالهادي الصالح 

     جميل الندوة، والاجمل

جميل ان تجتمع رموز ثقافية من دول مجلس التعاون الخليجي في ندوة " تعزيز الوحدة الوطنية". وان تخرج بتوصيات واقعية ، تضع أصابعها على مواضع الألم. لكن مع غياب رموز الرأي الاخر الواضح بآرائه الصريحة - وليست الوقحة - ومع قيام الندوة على الكراسي المخملية في فنادق السبع نجوم ، اعتقد انها ستتحول الى برستيج للنخبة الناعمة وتصدر توصيات معروفة مسبقا !
الاجمل ان تعقد الندوة في جلساتها المتعددة  و بصراحتها في صالات جمعية الثقافة الشيعية ، وجمعية الإصلاح الاخوانية، وجمعية التراث السلفية ، وجمعية الخريجين الليبرالية ! ان تعقد الندوة على طاولات ساحة سوق المباركية الشعبية، او في خيم الشعر في الصليبية وام الهيمان !
هنا يكمن الجرح ويداوى !
****
نهنئ المحتفلين بعيد الغدير الأغر..والحمد لله على النعمة.

الكويت
٢٠١٦/٩/٢٠

الفنون و الحرف اليدوية في ولاية أوريجن الأمريكية


رياض الشيخ باقر
----------
ظرا لوجود فنون الحرف اليدوية و بالأخص فنون الأعمال الخزفية بالأحساء و رغبة من الأخ علي السلطان بتسليط الضوء على هذه الفنون في ولاية أوريجن كي تستفيد الأحساء من نقل المعلومة عن تجربتهم ، فقد قمت صباح هذا اليوم بالذهاب الى المركز الأعلامي و السياحي في مركز مدينة بورتلاند و تصفحت المجلات و المنشورات و وجدت ضالتي التي أنشدها و قمت بترجمة هذا المقال و تصوير الصور المرفقة معه.

تشتهر مدينة تولدو بالفنون و الحرف اليدوية المزدهرة ، مدينة صغيرة وادعة تقع في مقاطعة لنكولن ،
 أقصى سلسلة جبال الغابات الغربية لولاية أوريجن و تبعد عن مدينة بورتلاند مائة ميل حيث يتطلب الوصول اليها ساعتين من الزمن  ، و ذلك قبل الولوج الى السواحل الشرقية للمحيط الهادي بمسافة سبعة أميال فقط  ، يشق المدينة نهر ياقوينا الذي تكثر فيه الشلالات الطبيعية ، الحياة فيها ليست باهظة التكلفة ، لذا اختارها الكثير من اصحاب الفنون و الحرف اليدوية للعيش و الإستقرار و فتح معارضهم و متاجرهم فيها ، كذلك تقام فيها العروضات السنوية وجميع الفعاليات و الأعياد و أيام الأحتفالات ، حيث تعرف المدينة بمدينة الطاحونة ، حيث يوجد معمل لطحن و انتاج الطين ذو الجودة العالية ، كما ان المعارض في المنطقة الواقعة على طول النهر خصصت لفنون الأعمال اليدوية و بإجار زهيد كما يوجد متحف دائم للفنون ، أشتهرت المدينة بالمعارض و المتاجر لشتى انواع الفنون و الحرف اليدوية الفنية ، و أشهرها هو جالري فنان الرسم بالزيت السيد ميشال جيبون ، حيث توجد به عينات من الفنون من جميع ارجاء العالم ومن كل مكان ، كما أن المدينة تضم معارض لمشاهير الفنانين ،  كل من الرسام ايفان كيليز ، بيل كوشا ، ماريون موير ، أدوارا يونج ، دي بويلس ، و آخرين
يقول السيد جيبون الذي استوطن المدينة في عام 1981 , عن ساحل المحيط الهادي و المنطقة الشمالية الغربية لأمريكا ، أنها من اجمل الأماكن على وجه الكرة الأرضية ، حيث الطبيعة الخلابة و الهدوء و تدفق النهر و تلاطم امواج المحيط ، كل ذلك يوحي للفانين بأعمالهم ، أما السيد
ايفان كيليز الذي يعتبر ثاني شخصية أعطت هذه المدينة شهرة لفنونها ، انتقل من كندا لها في عام 1990  ، و ثالث شخصية ذات شهرة عالمية لها فضل في تأسيس الفنون في هذه المدينة هو الرسام و المصور دوقلص هاقا  ، كما امتازت المدينة بوجود جاليري آخر مشهور فيها هو جالري بريسينو  للفنان سام بريسينو المتوفي عام 2015، المتخصص في فنون التشكيل و الطرق على الحديد و المعادن ،
أما فنون حرفة التشكيل بالطين ( صناعة و زخرفة الفخار ) فهي تحت إشراف الفنانة الموهوبة جيس دافيدسون التي أنتجت اعمال في كامل الدقة و الروعة ، لدرجة أن أعمالها تباع في افخر المتاجر مثل جالري روجر يوست في مدينة نيوبورت و جالري ميشيل بارسونز للفنون الجميلة بمدينة بورتلاند اضافة الى الجالري الذي تملكة بالمدينة

و تعتبر مدينة تولدو  مثالية لحرفي فنون الأعمال الخزفية و ذلك لوفرة و جودة الطين الذي تنحته الأنهار و الشلالات من الجبال  ، كذلك وفرة المكان و المعدات و وجود الفنانون المتخصصون في المدينة و المعاهد و الدروس المخصصة لفنون الخزف و الأفران ، و جميع الخدمات و المرافق التي يحتاجها الفنانون متوفرة لهم و بكلفة زهيدة جدا تشجيعا لهم و لمهاراتهم و قدراتهم العالية ، فهم يجلبون السياح و التجار و المتسوقين و المهتمين بهذه الفنون الى مدينة تولدو وذلك له الأثر الكبير على اقتصاد و حركة المدينة
كما أن السيدة ديفيدسون تترأس رابطة الفنون بمدينة تولدو ، وهي المظلة التي ترعى و تساند و تطور جميع انواع الفنون في مقاطعة لينكولن الشرقية ، فهي من خلال أنشطتها تقدم دروسا فنية في مختلف أصناف الفنون و بالأخص فنون الأعمال الخزفية لما لطين مدينة تولدو من جودة و خواص متميزة ، كما تقوم الرابطة بتوفير المنشورات و الدعاية و التواصل مع المجتمع و التجار عبر وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية ،

------------

بورتلاند
2016/9/21
ملخص ترجمة مقال للسيدة نانسي ستينبرج
منشور في مجلة باسبورت احدى منشورات مؤسسة نيوز تايم بولاية أوريجن

إضاءات حول ما ورد في اللقاء مع الأستاذ محمد العلي - المقهى الثقافي


علي أحمد المحيسن

هادئًا.. مركّزًا يحاول انتقاء مفرداته بعناية ، يلملم شظايا حديثه تحت عنوان واحد هكذا بدا الشاعر والكاتب والناقد الأستاذ محمد العلي في اللقاء الذي أجراه معه المقهى الثقافي، استمعت إليه بعناية لكنه وبالرغم من محاولة الأستاذ العلي أن يكون موضوع لقائه حول المعتزلة إلا أنه وبسبب تشتت موضوعات الأسئلة التي وجهت إليه بدا اللقاء مشوّشًا نوعًا فلم تكن الأسئلة على قدر اللقاء ، ناهيك عن رداءة التنسيق وترتيب الأسئلة أثناء المونتاج .

كان حديث الأستاذ العلي مشوّقًا يشدّ المتلقي فقد تحدث في التاريخ والدين والمجتمع والفكر والثقافة وفي التفسير والعرفان إلا أنه وقع في كثير من التناقضات التنظيرية والعملية ،  فهو ولئن أراد أن يتحدث بلغة علمية صرفة إلا أنه صرح ببعض التصريحات الغريبة ووقع في شَرَك التعميم غير المقبول.

ومن غريب ما وقع فيه من تصريحات عجيبة :

1 ـ أنه يرى بأنه مع منهج العقل والتعقل وأن العقل هو الأساس حتى وإن تصادم مع الوحي ( النقل ) تمامًا هو منهج المعتزلة موضوع اللقاء كما أراده الأستاذ الضيف.

2 ـ ومن الغريب كذلك قوله بأن الإنسان نشأ خرافيا، وهل هذا يصمد أمام النقد التاريخي؟

3 ـ  من الغرائب في حديث الأستاذ العلي عن العلماء الذين يختلف وإياهم في الفكر والتوجه وخاصة القُدامى منهم، هو وصفهم بأوصاف غير علمية، نعم يحق للأستاذ العلي أن يذكر رأيه في عالم ما، كما تحدث عن الشيخ زين الدين حينما قال بأنه ( يسير تحت ضوء لا يبصره ) ، ولكن هل يحق له ـ وهو الذي يدعو للإنصاف والتعقل والعقل ـ أن يصف العلماء بأوصاف لا تمت للعلمية بصلة ، ومن ذلك :

في معرض حديثه عن المعتزلة نجده يصف الإمام الغزالي بأنه سخيف ، وأن بعض الفلاسة خرافيين مثل السهروردي ، ويصف ابن القيم بالرجعي.

الأستاذ العلي وفي معرض حديثه عن رجال الدين يؤكد بأنه يؤمن بالتخصص ، وأن التخصص مطلوب اليوم ، لكنه وفي هذا اللقاء لم يعمل بهذا المبدأ الذي يؤمن به حيث وجدناه في هذا اللقاء الذي تجاوز الساعة والنصف يجيب عن أسئلة المداخلين في كل شيء ويتحدث في كل شيء فلم يترك واردة ولا شاردة إلا وتحدث فيها ، تحدث في الفكر وفي التفسير واللغة والدين والمنطق والأدب والعرفان، فأين هذا عنه إلا إذا كانت باء الرجل تجر وباء غيره لا تجر، يا له من تناقض .

4 ـ ويدّعي بأنه معتزلي وعلى طريقة المعتزلة باعتبارهم أول من أدخلوا العقل في مناقشة الدين.


5 ـ من التعميم الغريب تعميم الأستاذ العلي في قوله : إن الذين يتعلمون في الخارج حتى الذين يدرسون في أرقى جامعات العالم فإنهم يعودون كما خلقهم الله أول مرة ، كما علمتهم أمهاتهم .

6ـ يرى بأن العقل والنقل في الدين موجودان لكن لا وجود للإجماع .

7 ـ من الغرائب في نقاشه تصريحه بأنه ولا وجود للوح المحفوظ.

8 ـ يُشكل الأستاذ محمد العلي على رجال الدين بأنهم يقولون : ( لا اجتهاد مع النص ) ثم يُردف بقوله: هذا الكلام غير صحيح،  فالاجتهاد يجب أن يكون في النص نفسه )، وأجد أنه - هنا - خلط بين النص الإلهي والنص البشري من غير المعصوم (ع).

9ـ ومما يسترعي الانتباه في هذا اللقاء للأستاذ محمد العلي قوله بأن الخرافة أقوى من الحقيقة ، ولا أعلم على أي وجه علمي اعتمد ، كما أنه يرى بأن المتدينين هم الخرافيون وليس الدين ذاته قد يصيب في هذا أو يُخطئ لا بأس لكن أن يصف المفسرين بأنه خرافيون إلا قليلاً منهم فهذا أمر غير مقبول في الوسط العلمي.

10 ـ من الأمور التي لا تصمد أمام النقد أن يقول ناقد بحجم الأستاذ محمد العلي مُعَمِّمًا بأن المعجزات على كثرتها إلا أن بعضها خُرافة سواء ما استشهد به مما جاء في القرآن الكريم كقضية المائدة أو التاريخية كقصة تظليل النبي (ص) بالغمام حيث يعد ذلك كله خرافة .
ومن التعميم أيضًا الذي لا يصمد أمام النقد قوله بأن ٩٠ بالمائة من رجال الدين هراء.

ومن صور التعميم غير المقبول كذلك قوله بأن العالم الاسلامي كله يشكو الجوع ، وأن كل المذاهب خرافية ، وأن والعالم الإسلامي يحتاج لمعجزة؛ كي يفيق من الجهل والسبات ، وفي هذه تناقض كبير حيث أنه لا يؤمن بالمعجزات ويعدها خرافة لكنه يطلب المعجزة هنا حتى أن المستضيف للأستاذ العلي علق على ذلك مستغربًا.

بالله عليكم هذا كلام فيه تعقل ومبني على دراسة ؟!

11ـ ومن الأمور التي يستغربها المتلقي لكلام الأستاذ محمد العلي في هذه اللقاء هو أنه يرى بأن هناك ثمة تناقض بين الآيات القرآنية وضرب مثالاً على ذلك .

وأخيرًا وليس آخرا فإن البحث عن الحقيقة ينبغي أن يكون مبنيًا على تريث وتخصص وعدم إطلاق التعميم .

وأختم هنا بأن الكاتب والشاعر والناقد الأستاذ محمد العلي ولئن ختم اللقاء بأن كلامه كان في المعتزلة إلا أن الأسئلة التي وجهت له، وكذلك ما جاء في ثنايا حديثه يثبت بأنه تجاوز الجادّة التي أراد لنفسه أن يضعها فيها.



يقول الأستاذ العلي في معرض إجابته حول سؤال أحد المداخلين الذين سألوه أن يُقدم لهم طريقة للهروب من العقل كما هرب بعض الأولياء والعلماء من بلادهم حفاظًا على دينهم يقول :لا أوصيكم بالهروب من العقل كما فعل البعض من العلماء ورجال الدين، فوظيفة العالم هي تصحيح الأفكار والقضاء على الخُرافة ، وفي هذه مغالطة حيث أن التاريخ حدثنا عن بعض الأنبياء والأولياء والعلماء الذين تركوا بلادهم حفاظًا على دينهم وخوفًا من السلطان الجائر وليس هروبًا من عقولهم كما ادّعى ضيف المقهى الثقافي العزيز.

أرجو أن لا يكون موضوعي هذا مزعجًا لأحد فهي مجرد إضاءات وملاحظات حول بعض ما ورد في لقاء المقهى الثقافي بالكاتب والشاعر والناقد الأستاذ محمد العلي وأرجو أن تصل له كما وصل لنا هذا اللقاء ، فهو مجرد رأي ورأي مجرد لا أكثر ولا أقل، وشكرًا لكل من ساهم في رفع مستوى الوعي الثقافي لدى الناس .



الأحساء

21 / 12 / 1437هـ

الإشكالات النمطية في مفهوم الترقي البشري

عادل البشراوي


دائما مانسمع عن مصطلح الحلقة المفقودة عندما يتم الحديث عن تطور البشر, وقد انتشر هذا المصطلح نهاية القرن التاسع عشر واستمر ولو بشكل خجول إلى أيامنا هذه, إذ بدأ الكثير من العلماء يتجنبون التعاطي معه, فلماذا؟

في تصوري المتواضع فإن غياب المعرفة والتصور الناضج لمفهوم التطور وندرة الأبحاث المتوفرة نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين كان لها دور كبير في انتاج فكرة المصطلح, وقد أصيب حين أقول أن مارسخ هذا التصور هو تمكن العالم الكبير Hugo de Vries من اكتشاف الطفرات الجينية حوالي عام 1893.
فالتصور الذي تفرضه آلية عمل الطفرة الجينية التي ينتج عنها صفات جديدة تطرأ على الكائن أوحت للعلماء المهتمين بتطور البشر آنذاك بأن هؤولاء البشر قد تدرجوا في مسيرة ترقيهم عبر مراحل بحيث ينبثق نوع جديد فجأة من سلف يكون مغايرا له في كثير من الصفات وأن هذا الإنبثاق يكون مصاحبا لنضوج عقلي ووظيفي أكبر. وهو أمر بعيد عن الواقع.
صحيح أن هناك ترقي عقلي ووظيفي طرأ على البشر تماما كما هو الحال مع غير البشر, وإنما لم يكن ذلك بانبثاق أنواع مغايرة تماما لأسلافها, فالطفرة لاتنتج نوعا جديدا بل صفات.
إضافة إلى أن وراثة مندل المعتمدة حاليا لم تكون منتشرة القبول حينها لتساهم في تقنين الإطروحات العلمية.

لكي أوضح أكثر, فالمفهوم السائد قديما كما قلنا يقتضي أن يولد نوع مختلف تماما عن والديه بشكل يبرر البحث عنه كحلقة مفقودة ضمن تسلسل هو في غالبه وحي من خيال أولئك العلماء الذين افترضوا الفكرة.
وقد تم بناء هذا التصور البدائي إثر العثور على بقايا بشرية شكلت هواجس خبرية منذ منتصف القرن التاسع عشر كان لها وقع الصاعقة في الأوساط العلمية ,وكان أولها اكتشاف بقايا لهيكل عظمي عائد لنوع الـ Neanderthal عام 1856 في وادي نياندر الألماني, وبعدها بحوالي الإثنا عشر سنة أي 1868 تم اكتشاف عظاما تعود للـ Cro-Magnon في فرنسا ثم عظام ألـ Heidelbergensis في ألمانيا عام 1907.
هذه المكتشفات المتفرقة والتي تحي بعلاقة ما بتطور البشر وترقيهم أوجدت جدلا كبيرا في الأوساط العلمية الأوروبية المهتمة, وقد كان من الصعب إرساء معايير حاكمة لربط هذه العينات ضمن نسق علمي مقبول ومتفق عليه حيث انبرى العلماء لطرح تصوراتهم التي كان أشهرها أن هؤلاء البشر المكتشفة بقاياهم يمثلون جزءا من التدرج في الترقي البشري. وقد ساد حينها بأن الـ Neanderthal هو سلف للإنسان الحديث Homo Sapiens وهو أمر توصل العلماء بعدها لعدم صحته حيث تحدر الإثنان من سلف واحد هو الـ Homo Heidelbergensis.

العجيب هو علاقة هذه المكتشفات بفضيحة الـ Piltdown Man التي تناولناها بتفصيل في مقال سابق والتي تمت في بريطانيا وقد كان سببها -على الأقل في تصوري- عائد للغيرة التي تمكنت من بعض العلماء الإنجليز الذين لم يرق لهم أن يحظى مناوئيهم الألمان والفرنسيون بالعثور على مكتشفات هامة دون أن يكون لهم في بريطانيا شأنا محوريا فيها خصوصا ونحن نتحدث عن عام 1912 عندما كانت بريطانيا هي الدولة العظمى.
وحقيقة فالذي ألح علي لذكر هذه المعلومة المعترضة عن الفضيحة هو استغلال البعض كزغلول النجار وغيره لها بالقول أن نظرية التطور بجلها قائمة على حادثة الإحتيال هذه, وهو واقعا أمر معيب.

نعود لصلب حديثنا لنقول بأن الداروينية الحديثة التي هي عبارة عن باقة متعددة من العلوم تشتمل على مفاعيل السلسلة الغذائية وعلم الجينات ووراثة مندل وطفرات دافريز والتزاوج البيني وكل مايتوفر لدينا الآن من معارف تقتضي أن يتطور الكائن الحي ضمن نسق تطوري آخر. وأن هذا النسق ينطبق على البشر كما ينطبق على غيرهم.
وقد نلاحظ اختلافات ظاهرية ووظيفية بين البشر اليوم نستطيع من خلالها التوصل لإطار معين يسعفنا في التوصل لملامح أساسية لآلية التطور.

فعلى سبيل المثال, نلاحظ أن سكان المناطق شديدة البرودة في ألاسكا والتندرا وشمال سيبيريا حيث الزمهرير القارس يتميزون بأجسام ممتلئة ومكتنزة وهي ميزة مكنتهم من التقليل من مساحة الجسم المعرضة للبرد فيتم لهم بها المحافظة بقدر أكبر على حرارة أجسادهم, بينما نرى تميز أفراد قبائل السفانا الإفريقية والماساي منها بشكل خاص بأجسام فارعة الطول ونحيفة تمكنهم من العدو السريع مايساعدهم في مهام الصيد وراء الطرائد في السفانا المفتوحة.
نلاحظ أيضا أن سكان المناطق الجبلية يتميزون بقصر القامة كما هو واضح في المناطق الجبلية من اليمن. وهذه خاصية نلاحظها أيضا في المقارنة بين الوعول الجبلية ذات القوائم الواضحة القصر وقريباتها التي تعيش في المراعي الممتدة.

وطبعا هناك استعدادات بايولوجية أخرى يتميز بها البشر كتكيف قاطني المناطق الباردة مع درجات منخفضة من الحرارة وتمكن سكان هضبة التبت من العيش بمستويات منخفضة من الأوكسجين.
على أن هذه الإختلافات الطفيفة طرأت على البشر إثر تكيفهم مع بيئاتهم عبر آلاف قليلة من السنين فمابالكم بالمتغيرات التي قد تطرأ حينما يتم الحديث عن عشرات ومئات من آلاف السنين.

وقد أضيف معلومة أخرى تضاف إلى الأسباب التي أدت لبث التصور القائل بالحلقة المفقودة وهو أن الفكرة انتشرت في وقت لم تتبلور بعد نظرية Out of Africa القائلة بأن البشر قد تولدوا في السفانا الإفريقية غرب الصدع وأن تواجدهم في أوروبا كان نتيجة لانتشارهم من افرقيا بحسب الموجة الأولى قبل حوالي مليون وسبعمائة ألف سنة والموجة الثانية قبل حوالي الثمانين ألف سنة, هذا رغم رأيي البسيط في أن موجات الهجرة لابد وأنها كانت بشكل مستمر وليست مقتصرة على هاتين الموجتين.

محصلة القول هي أن تطور البشر لم يكن أبدا بالشكل النمطي الذي لايزال منتشرا في نقاشات أغلب المهتمين بالـ paleoanthropology والذي يقول بتدرج البشر في تطورهم عبر أنواع وحيدة تكون مهيمنة في فترات معينة من الزمن لتسلم المهمة لأنواع أخرى تخلفها في الهيمنة والوجود, إنما الأمر أشبه بمشجرة عائلية ذات قرابة تختلف وتتشابه بما تفرضه عليها ظروف البيئة التي تعيش فيها, وعليه فقد تنتشر سلالات معينة في منطقة وبيئة ما وتتزامن معها في نفس الفترة سلالات أخرى تعيش وتتكيف في بيئات أخرى, وتكون أسس الإختلاف بين هذه السلالات محكومة بظروف بيئتها وفترات الإفتراق الجيني الذي يفصلها, فهذا الإفتراق الجيني هو مايحدد المساحة المتاحة للفروق الظاهرية والوظيفية التي ممكن أن تطرأ فتتسبب في تباعد السلالات لتكون أخيرا أنواع مختلفة لها صفاتها الظاهرية والوظيفية المميزة.


الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

(مدن تتنفس الشعر)




سياحة في عالم المهرجانات الثقافية العالمية، مهرجان "مدينة أيوا الثقافي" نموذجاً..

كاظم الخليفة

"المقدمة.. انكشاف الدهشة":
عادة ما تعبر المدن عن هويتها العامة من خلال موقعها الجغرافي أو بمقدار ما تمتلكه من موارد طبيعية، ولكن عندما تصبح الثقافة والادب هي القيمة التي تحاول إبرازها، فهي تصنع ميزة تنافسية حضارية بامتياز.
فمدينة "أيوا" والواقعة في إقليم الغرب الأوسط للولايات المتحدة الامريكية اكتسبت صفة العاصمة الأدبية للولايات المتحدة منذ زمن طويل، وكذلك صنفتها منظمة اليونسكو ضمن أفضل المدن المبدعة في العالم، والأحدث كمدينة للأدب بعد أدنبره الإسكتلندية وملبورن الأسترالية.
الحداثة في تصنيف اليونسكو قد تتخذ المعنى الزمني، أو يمكن استيعابه من خلال الوعي الحضاري ومفهوم الحداثة كسياق فلسفي وفكري معاصر.
فهذه المدينة "أيوا" قد اتخذت مسماها من نهر ايوا، وهو بالمناسبة أسم النهر الذي يخترقها وهو كذلك لقب القبيلة الرئيسية للهنود الحمر الذين استوطنوا هذه المنطقة قديما ويعني "رأس الصقر"، لديها مهرجانها الشعري والذي يمتد من شهر أبريل حتى حزيران، حينها لا صوت يعلوا فوق صوت الشعر الذي يحتل جميع الأمكنة من الساحات العامة ووسائل المواصلات والقاعات الدراسية في الجامعات والمدارس الابتدائية، وكذلك هو الإعلان المبكر عن طلب المشاركة في المهرجان وشروط المسابقة والذي تجده أينما تجولت في أنحاء المدينة.
الشروط بسيطة، والمهم فيها أن تكون مقيماً في المدينة ولديك القدرة على كتابة الشعر والقاءه، على أن لا يتعدى السبعة أسطر. وطلب إضافي من أساتذة المدارس الابتدائية لكي يساعدوا الشعراء الصغار إملائيا فقط.
تزامن اطلاعي على الإعلان يوم انتهاء إرسال المشاركات (٧ فبراير)، والإعلان يوجه الى موقع اللجنة الثقافية في المدينة على موقعها في الإنترنت، ومن خلاله تجد المشاركات الشعرية للأعوام السابقة والتي تبوب المشاركات الى قسمين: الشعراء الأطفال، والقسم الآخر للبالغين.
أدركني الفضول للدخول أولاً إلى قسم الأطفال والذي فاجأني بوجود مشاركتين لأطفال عرب كتبوا شعرهم باللغة الانجليزية و دخلوا ضمن القائمة المميزة للشعراء الأطفال لعام ٢٠١٢ وهم حسن أحمد ذو الستة عشر ربيعاً ويوسف بدر وكان وقتها في الثالثة عشر من عمره.
القصيدة الأولى للشاعر حسن أحمد تعبر عن هواجس الانصهار في مجتمع غربي بعيد عن ثقافته العربية الموروثة، وكذلك تأتي نتيجة لتداعيات الحادي عشر من سبتمبر وتهمة الإرهاب، فكيف عبر الشاعر الصغير عن مخاوفه، وكذلك عن نظرته لمفهوم المجتمع الأمريكي المتعدد الأعراق والأصول؟


"الفأر الروسي المهاجر":
يتخذ الشاعر حسن أحمد من شخصية الفيلم الكرتوني، والذي أنتج في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، كان من اخراج "دان بلوث، عنواناً لقصيدته، حيث تتناول قصة ذلك الفيلم عائلة من الفئران مكونة من خمسة أفراد هاجروا من روسيا الى الولايات المتحدة طلباً للحرية، وفي أثناء الرحلة، يتوه الفأر البطل والمسمى ب"الذيل الحقيقي" عن عائلته في مغامرة شيقة. لذلك يستوحي الشاعر  من حكاية هذا الفيلم للتعبير عن مفهومه للهجرة واكتساب جنسية هذه البلاد "امريكا"، فيقول:
(هل يخيفك أسمي، ولقب عائلتي؟
لو كان هذا هو لقبك فهل يشعرك بالخزي؟
وهل تقاسمني العيش في بلادك الحرة؟
نحن جميعاً مهاجرون، لذلك لا أطلب منك الإذن.
ولا تطلب مني العودة الى المكان الذي قدمت منه، لأنه ببساطة ينطبق عليك  الأمر نفسه.
 لذا يمكننا العيش بسلام كمواطنين.)

هذه الحساسية العرقية و المبكرة لدى الشاعر الطفل العربي حسن، تجد ما يشابهها من حساسية لدى طفل غربي مماثل، وان كان يتحدث عن لون الشعر كما هي قصيدة الشاعر الطفل "أيلي بورمبا" ذو السبعة أعوام حين يقول في قصيدته "شَعري":
شعري غابة بنية.
و ليس لها مخارج.
وهي لا تمكنني من الخروج.
لا يهم.. أنا حالياً في الصف، ومعلمي يقول لي عد الى درسك.

أما الشاعر العربي الآخر "يوسف بدر"، فهو لا يتخذ من الحساسية العرقية موضوعاً لقصيدته، ويتحدث كأي طفل أمريكي عن ما قد يشغله ويحوز على اهتمامه في هذه اللحظة، مثل التهام فطيرة لذيذة في صباحات أيام عطلة الأسبوع، لذا هو يقول في قصيدته "الفطيرة":
(الفطائر يوم الأحد خفيفة، رقيقة ولذيذه.
والدي أعدها بطريقة سريعة.
و كنت أكثر منه سرعة عند التهامها.)

"الخاتمة.. تباين المثال وواقعنا المحلي":
هذه هي الفضاءات الشعرية والتي تحتفي بها المدينة وتميز نفسها عن بقية المدن في العالم كراعية للآداب والكتابة، وان كانت هناك مدن أخرى في العالم قد أحتفت بالشعر كمدينة "لوديف" في جنوب فرنسا والتي تستقطب الشعراء من  دول حوض المتوسط. خصوصية مدينة أيوا في أن الشعر الذي تمتلئ به يأتي من مخزونها المحلي ، بينما لوديف تستقطبه من الفضاء العالمي حيث  حضيت بالكثير من المشاركات الشعرية، وبالخصوص السعودية منها لأسماء مهمة مثل احمد الملا وعبدالله ثابت وإبراهيم الحسين.. ومحمد الحرز، والذي تحدث عن معنى هذه المشاركات في الأجواء المفتوحة والميادين العامة الشبيهة بمهرجان أيوا الشعري، والذي أختتم به مقالتي هذه:
(لقد كانت تربيتنا الشعرية الموروثة لا تهتم بالشعر نفسه بالقدر الذي تهتم فيه بالممارسات المصاحبة له .. فقوة الإنشاد، وضخامة الحضور، والاهتمام بالشخصيات المهمة في مقدمة الجلوس، ترتيب الحضور ترتيبا محكما وكأنك جالس في مؤسسة نظامية لا في مكان تستمع فيه للشعر.. والأكثر ظلما للشعر مع كل ذلك أن ينشد في أماكن مغلقة تماما.. عكس الأمسيات التي تلقى في هذا المهرجان، فنادرا ما تقام الأمسيات في أماكن مغلقة، دائما ما يكون الشعر معانقا الفضاء الرحب ولا ثمة عوائق تمنعه من الوصول إلى الطبيعة.. ألا يجدر بنا أن نتعلم القدرة على فتح النوافذ على آخرها كي يتجدد الشعر أولا ثم نتجدد معه؟!)

البشر والأديان


عادل البشراوي


كثيرا ما أصادف في مطالعاتي على الشبكة العنكبوتية نقاشات حادة بين ملحدين ومتدينين وحقيقة تستفزني الآراء المطروحة ومن الجانبين.

أجد واقعا بأن الطرفين يعانيان من ضيق الأفق الثقافي والتاريخي للأديان ولطبيعة الفطرة البشرية.

ولكي لا أسهب في الحواشي دعوني أركز على آراء الطرف الملحد هنا ولعلي أخصص مقالا آخر أتحدث فيه عن الطرف الآخر المتدين.

وجدت في طبيعة الإشكالات التي يلقي بها الملحدون استساغتهم لطرح أسئلة ثقيلة وغير مجدية في الحوار وخلصت لنتيجة بأن الهدف منها قد لايكون الإقناع بقدر مايكون توريط الطرف الآخر وإفحامه وإن بأسئلة قد لاتكون واردة في السياق.

لأوضح، نحن نعلم أن هناك محدودية للوعي البشري - قلت وعيا ولم أقل ذكاءا لأعم الوصف- وبذا فليس هناك من داع لمعرفة أسرار الكون كلها من أجل أن أتمكن من معرفة أن لهذا الكون خالق وأنه خلقني وأمرني بعبادته.

وهنا أود أن يكون نقاشي متجرد وحيادي لكي أتمكن من التوصل لمفهوم قد يستفيد منه القاريء الذي يعاني من بعض الشكوك, فأقول أن هناك شعور غريزي لدى البشر يحملهم على معرفة وجود الإله وهو فيما أعتقد شيء فطري تماما كتلك الفطرة التي ترشدنا إلى معرفة أن الكذب سيء والصدق جيد، كما أن السرقة عمل مستهجن بينما العطف على المحتاج صفة كريمة.

وهناك دلائل أركيولوجية وفي أماكن عدة تثبت أن رجل النيانديرتال (سلالة بشرية منقرضة) كانت له طقوس روحية كشكل من أشكال العلاقة مع كيان خارق للطبيعة (Supernatural) وكان ذلك قبل أكثر من 50 ألف سنة، وقد تصل في القدم إلى أكثر من ذلك بكثير, وهذا دليل قدم لهذه الغريزة.

فالإنسان ابتداءا يشعر أن هناك آلهة ويرى حاجة في الإتصال بها، لكن وعيه المحدود لايكفيه للتوصل لماهية هذه الآلهة والكيفية التي يجب عليه اتباعها للتواصل معها.

وقد تعرفنا من خلال قراءتنا للتاريخ الاختلاف الكبير بين الأمم والحضارات السابقة في رؤيتها للآلهة والطقوس التي تقوم بها للعبادة وتقديم القرابين.

ما أريد قوله هو أن هناك أمران محددان في هذا النقاش، الأول هو الغريزة التي تشعر البشر بوجود الإله، والثاني هو صعوبة التوصل لحقيقة الإله دون إرشاد.

والمرشد هنا هو الرسول الذي يهيئه الإله ويرسله بمايفيد البشر ويحتاجونه في أمور عيشهم والسبل المثلى للتعامل مع إخوانهم ومحيطهم ويتم هذا الإرشاد بالإسلوب والمفاهيم التي تناسب عقول هؤلاء البشر.

فكما نعلم أن وعي البشر قد تطور كثيرا عما كانوا عليه قبل ألوف السنين، وكان ذلك بسبب المراكمة المعرفية لا لتطور بايولوجي.

وحقيقة فإن هذا الطرح ليس وقفا على معرفة تعاليم الدين فالإنسان لايستطيع عادة أن يتعلم بذاته, فهو يحتاج لدور المعلم ولهذا فنحن نذهب للمدرسة والجامعة.

بالعودة لموضوعنا فنحن نؤمن أن الرسالات السماوية بدأت منذ القدم وأخذت أطروحاتها تتطور وتترقى مع كل رسول يأتي إلى أن وصلت في ذروتها لرسالة محمد صلى الله عليه وآله، هكذا نحن نقول مع احترامنا وتقديرنا وكل حبنا لجميع المعتقدات الأخرى وخصوصا أهلنا وأشقائنا وشركاء أوطاننا وقوميتنا المسيحيين.

كان التوجه للبحث عن الخالق هو الأصل وقد تأكد مع رسالات الرسل، وحينها لم يكن ملحا كل هذه الأسئلة عن معرفة كينونة الخالق وكيف بدأ وأين كان قبل الخلق.

نعم كانت هناك تساؤلات ولكن الحاحها كان أقل من أن يثبط الغريزة وذلك لسبب سهل وهو البساطة المعرفية التي كان يتحلى بها الأوائل، فمع الإرتقاء المعرفي يرتقي معه الإدراك وكم التساؤلات التي تتبادر الفكر.

أما الآن ومع هذا الكم المعرفي الذي بلغناه أصبح هناك ولدى الكثير من الناس أساس قوي لهذه التساؤلات في أن تناويء الغريزة ومعها كم هائل مما قد يفهم أنها دلائل تعارض فكرة الخالق والمعبود, ولهذا خلص بعض الوجوديون إلى القول بأن الدين كان حاجة لدى الأمم المتخلفة أما الآن فليس له حاجة.

لكنني أجد أسبابا أخرى كثيرة تفرض هذا الواقع أهمها جمود المؤسسات الدينية وتخلفها. فمع دخول أوروبا عصور الظلام بداية القرن الخامس الميلادي تأخر الحراك العلمي وتوقفت تعاليم الكنيسة عند مفاهيم أغلب منشأها روايات العهد القديم وظلت كذلك رغم الفسحة التي سنحت في المشرق العربي الذي حمل لواء الفكر والبحث العلمي إلى أن جمد هو الآخر في القرن الرابع عشر وبداية عصر التنوير.

وكان لجمود المؤسستين المسيحية والإسلامية تأثيرا كبيرا مع بزوغ عصر النهضة الذي تشكل فيه أساس الحضارة الحالية. فقد شكل أسلوب التصدي الكنسي مع مخرجات العلم نفورا كبيرا لدى طبقة العلماء والمثقفين مادفع بشريحة كبيرة منهم للكفر بالدين ومحاربة تعاليم المؤسسة الدينية، وهو شيء أجد فيه الكثير من المنطقية فمن قرأ سير كبرنيكوس وجاليليو ونهاية جوردانو برونو المأساوية لن يخرج بغير الكراهية لرجال الدين ومن ورائهم الدين والإله.

في هذا الجو ومع حلول الثورة الصناعية بداية القرن الثامن عشر كان صيت وهيبة الكنيسة في تراجع وقد تأكد حالها هذا مع الثورة الفرنسية التي أطاحت بسلطة الملك والكنيسة، وقد تكرس إثرها البعد عن الدين وانتشار الإلحاد الذي وإن كان قديما إنما تأسس له في تلك الفترة دلائل علمية تأصل انتشاره.

فمن يقرأ في نظرية الأحياء التطورية ويبحث في مخرجاتها التي تتناول بعض الأحافير التي وجدت في طبقات جيولوجية تعود إلى عشرات الملايين من السنين لايمكن له أن يعتنق دينا يكفره إذا لم يؤمن بأن عمر الكون لايتجاوز الستة آلاف وخمسمائة سنة كما هو منصوص عليه في العهد القديم (التوراة).

واقعا كانت هذه المواجهة الملحمية بين العلم والتعاليم الكنسية هو ما جعل داروين يتردد كثيرا في نشر تصوره لنظرية التطور وهو تصور يقول أنه قد توصل إليه مباشرة بعد انتهائه من رحلة البيقل (Voyage of The Beagle) عام 1836 إنما لم تمكنه شجاعته من نشر مؤلفيه أصل الأنواع والإنتخاب الطبيعي إلا في 58 و 59 من نفس القرن. كل ذلك إثر خوفه من المواجهة المرتقبة، حتى أنه تحرج كثيرا في البوح عما إذا كان ملحدا أم لا واكتفى بقوله أنه مشكك (Agnostic).

وبالمناسبة فقد عد البعض أن القرنين الثامن والتاسع عشر على أنهما عصري الإلحاد الذهبي.

في رأيي المتواضع أجد أن وضعنا اليوم وبالرغم من التسارع الشديد الذي تشهده وتيرة الكشوف العلمية إلا أن عقيدة الإلحاد تواجه صعوبة في البقاء, وحقيقة ليس لدي تبريرا ناجعا لهذا الواقع, إلا أنني قد أوفق حين أقول بأن السبب عائد إلى أن هناك جيل جديد من معتنقي الأديان الذين تمكنوا من التعلم وخوض غمار المعرفة ففهموها وناقشوا فهمهم على أساس نقاشات دينية جديدة تنحي الموروث الديني الجامد وخصوصا روايات العهد القديم في المسيحية والإسرائيليات في الإسلام لتخرج بصيغة أقرب لتعاليم الدين الأصل والتي تحث على التعلم.

وقد وجد هؤلاء نصوصا دينية تتوائم مع مفهوم التطور البيولوجي ونظرية تكون الكون قبل أقل من 14 مليار سنة بقليل. ولو نلاحظ فهناك مؤخرا الكثير من المحسوبين على الدين من يتصدى لنقاش هذه النظريات.

إلا أنني لازلت أقول بأن المامنا بالعلم والمعرفة مهما ارتقى يبقى محدودا ولايزال لايتوفر لدينا الإجابة على أسئلة كثيرة كالسؤال القائل: أين كان الخالق قبل خلق الكون؟

ولكنني قد أتجرأ برد السؤال فأقول لماذا نتوقع حاجة الخالق لفراغ مادي هو أصلا مخلوق ليكون فيه؟

حتى أن إدراكنا القائم على مفاهيم مادية مخلوقة لايمكننا من الخوض في أمور خارج هذه المفاهيم المخلوقة. فالخالق سبحانه هو الذي وضع القوانين بمافيها قوانين الفيزياء والكيمياء وكل نواميس الكون الذي تحدد صيرورته.

وكخلاصة ألا يجب أن نستفيد من قراءتنا للتاريخ ومعرفتنا لمماحكات السابقين الجدلية التي تردنا وتفيد بأن محدودية ادراك البشر كانت دائما تقف أمام أسئلة أقل رقيا مما نطرحه ليخلصوا لأمور تثير فينا روح الفكاهة حين نتناولها اليوم!!
أم أننا تأكدنا بأنا قد بلغنا أرومة العلم والمعرفة فصرنا قادرين على مناقشة مكنون الخالق سبحانه؟