الجمعة، 30 سبتمبر 2016

حديث في العلاقة الحضارية والتاريخية بين العراق وإقليم البحرين


عادل البشراوي


في حوار جرى مع بعض الأصدقاء دار نقاش عن أصل فن الأبوذية وكان بيننا أخوة من العراق قد أكدوا على أنه فن عراقي الأصل وهو شيء لا أجادل فيه.

لكننا يجب أن نتنبه أن هذا الفن وكحال أي مخزون ثقافي لابد أن نجد له امتداد حضاري يصل به إلينا ليغطي جميع أراض إقليم البحرين القديم فيجعله ضمن المخزون الثقافي والحضاري للمنطقة بأكملها.

هذا الحديث جعلني أنطلق إلى دائرة أوسع في النقاش.
وأقصد من ذلك الإرتباط الحضاري والثقافي بين إقليم البحرين وفضاء أرض العراق ومن منطلق تاريخي أنثروبولوجي, وبما تقرره النظريات القائمة في علم الإجتماع.

فماهي حقيقة هذه العلاقة!!

لامجال للنقاش في محورية هذه العلاقة فلها رابط إنساني موغل في القدم, ولو تتبعنا كل تجليات الموروث الحضاري لهذه المنطقة نجد أنها تتقاطع بشكل ممتد ومتصل عبر الأزمان.

طبعا, هذا اذا استثنينا الثلاثين سنة الأخيرة الذي جرى فيها أبعاد وتغييب ذاك الدور الثقافي الصاخب الذي لم يكن ليغفل للعراق ليس على مستوى المنطقة فحسب, بل وعلى مستوى العالم العربي وحتى الغربي.

وبالمناسبة, فقد يخطيء من يخال بأن هذه العلاقة مردها التوافق العقدي بين العراق والبحرين!!

وذاك أبينه في سببين:

أولهما, أن أسبقية العقيدة الولائية لإقليم البحرين هي ثابتة, فقد بدأت في حياة الرسول صلى الله عليه وآله, ولنا في ذلك شواهد وأدلة كثيرة لايتسع المجال لحصرها.

وثانيهما, أن هذه العلاقة تمتد بعيدا قبل الإسلام فتصل إلى أقدم المخطوطات التاريخية التي تحوي السجل الإنساني الحضاري لهذه المنطقة. وليس أقلها ماكشف في اللوح السومري الذي كان عبارة عن ملحمة مخطوط بالكتابة المسمارية وعرفت فيمابعد بـ (ملحمة قلقامش), وقد أرخ عمر هذا المخطوط بسنوات تربو على الخمسة آلاف مضت.

وللعلم فهذه الملحمة تعد أقدم ملحمة في التاريخ وقد كتبت في عصر الحضارة السومرية التي يعدها المؤرخون بأقدم الحضارات في التاريخ البشري. ورغم تشكيكي في صحة معلومة أن هذه الحضارة هي أقدم الحضارات إلا أنني أكتفي بقدمها كشاهد على قدم علاقة إقليمنا الحضارية بأرض العراق.

ملحمة قلقامش هذه تحمل اسم الملك (قلقامش) وقد قيل أنه هو من كتبها, إلا أن هناك من يقول أنها كتبت من قبل امرأة في بلاطه.
جاء في الملحمة (وهو شاهدنا) حديث مطول عن ديلمون وذكريات عنها وأنها أرض الخلود, وفي تقييمي الخاص فإن هذا الوصف لهو تفخيم لديلمون هذه ودليل مجد سابق حدث فيها خصوصا ونحن نقرأ في ملحمة كتبت في أوج حضارة سومر.

كلنا يعلم أين كانت ديلمون..
وأين كانت في تلك العصور أيقونتها.

وهنا لي استشهاد شخصي, فما يجعلني أشكك في أقدمية سومر كحضارة هو أسباب من ضمنها تغني ملحمة قلقامش بديلمون, أي انني واستشهادا بذكر ديلمون في الملحمة أذهب للقول بأن لمنطقتنا أقدمية حضارية موغلة في القدم وهي بأي حال من الأحوال سابقة لحضارة سومر, أما كيف كانت هذه الحضارة وماهي شواهدها, فهذا يحتاج لجهود بحثية متخصصة ينبغي لنا أن نتصدى لها.

وردا على من يريد مساءلتي في التواريخ أقول أن ديلمون التي أتناول قد لاتكون حضارة ديلمون المتعارف عليها والمؤرخ وجودها بأقل من خمسة آلاف سنة, إنما قد تكون هذه الأخيرة امتداد لديلمون المذكورة في الملحمة. وباعتبار أن من أرخ لحضارة ديلمون يقول ببداية وجودها قبل حوالي 4800 سنة وأنها استمرت في مدنيات ودول تصل عند بعض المؤرخين حتى القرن الخامس عشر الميلادي, فلا أجد ضيرا من تصحيح تأريخ بداية هذه الحضارة إلى ماقبل 4800 سنة, وهو مايخدم الطرح.

أعود لدائرة البحث,

فما كنت أناقشه مذ بدأت الكلام هو الوحدة الثقافية لإقليم البحرين مع العراق, ومن الواضح أن منطلق شعاع توهج هذه الثقافة هو دائما العراق ليشرق فيما بعد امتدادا حتى يصلنا وهجه. هذا مايقرره تجلي هذه الثقافة على الأقل.

ولكنني أود في كلامي أن أبين بأنني أرى أن لهذا التوهج الحضاري وانطلاقه منعرج سابق وقديم. وهو في أن انطلاق شعاع الوهج (فيما أرى) قد انعكس في مرحلة ما..

مرحلة تتعلق بالتغير المناخي للأرض المتمثل بانحسار آخر مد جليدي قبل أكثر من أربع عشر ألف سنة وماتبعه من ارتفاع لمستوى مياه المحيطات وأدى فيما أدى لغمر حوض الخليج العربي بمياه بحر العرب والمحيط الهندي قبل حوالي ثمانية آلاف سنة مضت, فغمرت هذه المياه المستوطنات البشرية ومايمكن أن يكون شكل من أشكال الحضارة الواقعة في حوض الخليج.

أي أني أرى أن هذا المنعرج قد قرر انعكاس الوهج الحضاري بعد أن كان مصدره أرضنا البسيطة.. والمغمورة إعلاميا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق