زكي السالم

كعادتِهِ تلقَّانا بالأحضانِ وبهداياً تنمُّ عن حبٍّ وكرمٍ واشتياقٍ ، طلب الإذن بالانصراف ليتركنا نرتاحُ من عناء السفر - حسب قولِه - ولكنّي طلبتُ مِنْهُ البقاءَ معي بغرفتي لبضع الوقت فقد كنتُ متلهفا لسماع أخبارِه و ما غيرته السنون من ظروفِهِ .. يوم فارقته كان أعزباً واليوم أباً لابن وبنت في المرحلة الثانوية من دراستهما ، كان أخوهُ مايكل طفلاً في المرحلة الابتدائية والآن شاباً وخاطبا وقريباً زواجُه وووو .. والحديث يطولُ والذكريات بمُرّها وحلوها لا تنتهي . لم نلتفت إلا وساعتان مرتا علينا حين هاتفنا عبد الله وطلب منا النزول للعشاء وشراء بعض المستلزمات .
حينَ علم صديقي الشاعر الجميل هشام مصطفى بقدومي أصرَّ أن يلقاني الليلة فاتصلتُ به وأخبرته أننا بأحد المطاعمِ الشهيرَةِ بشارع فيصل فجاءنا خلال دقائق والتحق بنا على العشاءِ ، عرّفتهُ على الأصدقاء الخمسةِ
فسٌرَّ بمعرفتهم وسعدوا بمعرفتِهِ ، عندها اقترح هشام أن ناخذ جولةً حرّةً بالقاهرةِ ونزور أحد المقاهي الأدبية لنحضر أمسيةً ثقافيةً هُناك إلا أن وصولنا المتأخر حال دون استمتاعنا بالأمسية ، بعدها توجهنا لميدان طلعت حرب ودخلنا جاليري ( الجليريون ) حيثُ الشعرُ والثقافة يضوّع أريجُهما المكانَ وكانت كل طاولةٍ تُحيطها ثلةٌ من المثقفين وأرباب الفكر ، لم نشأ اقتحام أيٍّ منها ولكن اكتفينا بدائرةٍ شكلناها نَحْنُ الستةَ كان للشعرِ قصبُ السبقِ بها .
هشام و محسنُ لم تزلْ أصداءُ يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 بكل تجلياتها تصك آذانهما ولم يزالا فخورينِ بما حققته لهما فكأنهما يودّانِ إخبارَ الدنيا بكل جزئياتها وما دارتْ في ميدانِ التحرير من ذكرياتٍ و بطولاتٍ صنعها الإنسانُ المصريُّ بما امتلك من عزمٍ و طُموحٍ كبيرينِ .. أصرّا أن يمرّا بِنَا على ميدان التحريرِ والذي جلنا بأرجائهِ نتلمَّسُ وقعَ خطىً مرّت من هنا وامتدادَ أيدٍّ أومأت قبضاتُها بعلاماتِ النصرِ وصدى صرخاتٍ جلجلت هنا و زحامَ طوفانٍ بشريٍّ تكتّل كالبنيانِ المرصوصِ و طوابيرَ دفعتها شوارعُ و زواريبُ تًُحيطُ بميدانِ التحرير وتصبُّ أمواجُها البشريةُ فيه ، قد تختلفُ أو تتفقُ مع أهدافِ و رؤى هذا الحشدِ الذي شهده يوم الـ 25 من يناير ولكن حتما سيُعجبُك ذلك الإصرار والثباتِ على الموقف .. كُنَّا سعداءَ ونحن نجوبُ الميدان في هذه الساعةِ المتأخرة من الليلِ وكنا نلتقطُ الذكريات التي عشناها إعلامياً معهم كمن شهد أحداثَها عياناً .
صباح الجمعة الـ 29 من مايو نزلنا لمطعم الفندق لتناول إفطار شهي مزانٍ بالأكلات المصرية المحببة إلى نفسي - فأنا عاشق للمطبخ المصري كعشقي لمصر - فالفول والطعميّة والجبنة القَريش والبيض كان عبقُ رائحتها يُنعش الأنوفَ ويفتح شهيتنا المفتوحة دائما .
والرفقة الحلوة هي خيرُ محفزٍ للانقضاض على الأكل انقضاضَ مُودّع ، فقد كان معي أربعة من الصحب كانوا مثالا لعِظَم الخُلق وسموّ النَّفْس ولين العريكة وكأن الصديق الحليوة سيد مكاوي لم يعنِ سوانا حين قال : ( يا ليل طوّل شويّة ع الصحبة الحلوة ديّه .. ) أو كما قال غَيْرُه ( سهران معاكو الليلة للصُبح ليس إلا ) .
لم نُحبذ مغادرة الفندق واليوم جمعة فارتأينا قبيل صلاة الظهر الاجتماع في غرفتي اجتماعاً عَلَتْه الضحكات و زانته المزحات بثقيلها وخفيفها ، و ما قطعَ قهقهاتِنا و أخرجنا من جنّةِ بهجتنا لنار كمَدِنا إلا صوتُ أحدنا حين فتح واتسابه وَيا هول ما قرأ .. كان خبراً وقع علينا كالصاعقة ..
و للحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق