الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

يوميات مصريّة - الحلقة الأولى


بقلم :  زكي السالم 

     أحدُ أصدقائنا ذهب لمصر أولَ مرةٍ في حياتِه ونُشِلَ هناك ،  فلامَهُ - حينَ عودتِه - أحد معارفِه قائلاً .. ( أنا مو قايل لك لا تروح مصر أول مرة ) بهذه الوصيّةِ  المُستحيل تحقيقُها عقدتُ العزم لزيارةِ مِصْرَ المحروسة وفي ذهني زيارتانِ قبلها ، بمعنى أني نجحتُ في الامتحان ولن أذهب لمصر أول مرةٍ بل الثالثة . وهنا لن يلومني الحكيمُ صاحبُ الوصيةِ الذهبية .

    كُنَّا خمسةَ رهطٍ مُصلحينَ في الأَرْضِ  ننطُّها نطّاً ، ونبطُّ أعداءَنا بطّاً ..  وجوهٌ كالحة وعيونٌ ذابلة وابتساماتٌ صفراءُ وشفاهٌ متهدلةٌ .. ما شاء الله علينا .. ( شيخ الذبّان امقعّد ) .

    مُحَمَّد و يوسف و صالح و عبد الله و زكي .. تلكَ هي أسماؤنا وكما تلحظون كلها طهارةٌ و نقاءٌ و تقىً ، أَكْثَرُها أسماءُ أنبياء ، وكلّها وردت في القرآن أسماءً أو صفاتٍ ، فلو قلتَ : حتى إبليس ذُكر في القرآن ! سأردّ : انثبرْ ولا تقطعْ عليَّ استرسالي وتبعدني عن يومياتي المصرية .

    أنا - و أعوذ بالله من كلمة أنت - و محمد ويوسف كنّا مبتعثينَ لدورة عمل خارجية للقاهرة و عبد الله و صالح مشجعانِ لنا ، توجهنا نحن الخمسة لمطارِ الدمام مُحملينَ بأمل وابتسامةٍ وتنيقزٍ يحسدُنا عَلَيْهِ المُترفون ، كان المطارُ في تلك الساعةِ من منتصف أحد أيام مايو شبهَ خالٍ فالمودّعون قِلة والمسافرون أقل ولكن فينا - نحن الخمسة - كلّ البركةِ .

    حينَ نُودي على الرحلة كنّا في المسجد نتبتل ولا أكبر قديسٍ فخرجنا من مسجدنا للطائرةِ مباشرة والتي امتلأت عن بكرةِ أبيها بأحبتنا المصريين ، إذن لا سعودياً هنا إلا نَحْنُ ، على بَعْدِ أميالٍ من القاهرة انسلتْ مناظرُ خلّابةٌ من النيل وهو مُتلوٍ كأُفعوانٍ ترتمي على ضفتيه خضرةٌ لا يحدّها البصر والماءُ ينسابُ بأشعته الفضية التي عكستها شمسُ أيّار الساطعة فقلنا لندع أعيننا تفتضُّ هذا الجمال قبل أن تلوّثه مباني الإسمنت التي تنهشُ النيل في القاهرة .

    وطئت أقدامُنا المطار فوجدنا مندوباً من المعهد في انتظارِنا ولكنّهُ أوقف سيارته بعيداً من المطارِ فتبعناهُ رتلاً بشريّا .. كأننا - وحقائبُنا فوق أكتافِنا - مهجَّرون أفارِقة في ازدحامٍ بشريٍ حول المطارِ كبير .

    آخرُ عهدي بالقاهرةِ عام 1992م .. هنا هبّت بأجوائها  رياحٌ ومتغيّرات وجرتْ في نهرِها مياهٌ وأمواجٌ مُختلفةٌ لم تكنِ الشوارعُ كعهدي بها ولم تكنِ الوجوهُ كما تركتها قبل ربع قرنٍ أكثرُها وُلد بعدها ، لن أدخل بجزيئاتِ المتغيّراتِ الآن ولكني سأتناولُها في حينِها ومناسبتها بإذن الله .

    الطريقٌ مزدحمٌ وعلى ضفتَيّهِ بشرٌ متناثرونَ مُجدّون في السّيرِ كلٌّ لِوجهَتِه ، والسياراتُ تُسابقُ بعضَها وتزحفُ على بعضِها في قتالِ شوارعٍ دائم .

    بعد ساعةٍ من خروجِنا من المطارِ وصلنا شارع فيصل ودخلنا أحد زواريبِه الضيّقةِ حيثُ فندقٌ ( أمارانت الهرم ) ذو الأربع نجومٍ مستقرٌ في آخرِه .. فسيحٌ جداً يُواجهُك مكتبُ استقباله لحظةَ دخولك .. غرفُهُ متناثرُة تشكلُ دائرةً مُكتملةٌ تتوسطُها ساحة كبرى يتوسطُها مسبحٌ كبير جداً ، قِيل لنا لاحقاً إن الفندق كان - قبلاً -ڤيلا للممثل المصري يوسف وهبي .

   الأهمُّ أننا وجدنا في استقبالنا صديقَنا العذب والذي لم أرَهُ منذُ ربع قرن محسن مكرم .. ومن هنا بدأتِ الحكاية .

للحديث بقية...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق