الخميس، 22 سبتمبر 2016

إضاءات حول ما ورد في اللقاء مع الأستاذ محمد العلي - المقهى الثقافي


علي أحمد المحيسن

هادئًا.. مركّزًا يحاول انتقاء مفرداته بعناية ، يلملم شظايا حديثه تحت عنوان واحد هكذا بدا الشاعر والكاتب والناقد الأستاذ محمد العلي في اللقاء الذي أجراه معه المقهى الثقافي، استمعت إليه بعناية لكنه وبالرغم من محاولة الأستاذ العلي أن يكون موضوع لقائه حول المعتزلة إلا أنه وبسبب تشتت موضوعات الأسئلة التي وجهت إليه بدا اللقاء مشوّشًا نوعًا فلم تكن الأسئلة على قدر اللقاء ، ناهيك عن رداءة التنسيق وترتيب الأسئلة أثناء المونتاج .

كان حديث الأستاذ العلي مشوّقًا يشدّ المتلقي فقد تحدث في التاريخ والدين والمجتمع والفكر والثقافة وفي التفسير والعرفان إلا أنه وقع في كثير من التناقضات التنظيرية والعملية ،  فهو ولئن أراد أن يتحدث بلغة علمية صرفة إلا أنه صرح ببعض التصريحات الغريبة ووقع في شَرَك التعميم غير المقبول.

ومن غريب ما وقع فيه من تصريحات عجيبة :

1 ـ أنه يرى بأنه مع منهج العقل والتعقل وأن العقل هو الأساس حتى وإن تصادم مع الوحي ( النقل ) تمامًا هو منهج المعتزلة موضوع اللقاء كما أراده الأستاذ الضيف.

2 ـ ومن الغريب كذلك قوله بأن الإنسان نشأ خرافيا، وهل هذا يصمد أمام النقد التاريخي؟

3 ـ  من الغرائب في حديث الأستاذ العلي عن العلماء الذين يختلف وإياهم في الفكر والتوجه وخاصة القُدامى منهم، هو وصفهم بأوصاف غير علمية، نعم يحق للأستاذ العلي أن يذكر رأيه في عالم ما، كما تحدث عن الشيخ زين الدين حينما قال بأنه ( يسير تحت ضوء لا يبصره ) ، ولكن هل يحق له ـ وهو الذي يدعو للإنصاف والتعقل والعقل ـ أن يصف العلماء بأوصاف لا تمت للعلمية بصلة ، ومن ذلك :

في معرض حديثه عن المعتزلة نجده يصف الإمام الغزالي بأنه سخيف ، وأن بعض الفلاسة خرافيين مثل السهروردي ، ويصف ابن القيم بالرجعي.

الأستاذ العلي وفي معرض حديثه عن رجال الدين يؤكد بأنه يؤمن بالتخصص ، وأن التخصص مطلوب اليوم ، لكنه وفي هذا اللقاء لم يعمل بهذا المبدأ الذي يؤمن به حيث وجدناه في هذا اللقاء الذي تجاوز الساعة والنصف يجيب عن أسئلة المداخلين في كل شيء ويتحدث في كل شيء فلم يترك واردة ولا شاردة إلا وتحدث فيها ، تحدث في الفكر وفي التفسير واللغة والدين والمنطق والأدب والعرفان، فأين هذا عنه إلا إذا كانت باء الرجل تجر وباء غيره لا تجر، يا له من تناقض .

4 ـ ويدّعي بأنه معتزلي وعلى طريقة المعتزلة باعتبارهم أول من أدخلوا العقل في مناقشة الدين.


5 ـ من التعميم الغريب تعميم الأستاذ العلي في قوله : إن الذين يتعلمون في الخارج حتى الذين يدرسون في أرقى جامعات العالم فإنهم يعودون كما خلقهم الله أول مرة ، كما علمتهم أمهاتهم .

6ـ يرى بأن العقل والنقل في الدين موجودان لكن لا وجود للإجماع .

7 ـ من الغرائب في نقاشه تصريحه بأنه ولا وجود للوح المحفوظ.

8 ـ يُشكل الأستاذ محمد العلي على رجال الدين بأنهم يقولون : ( لا اجتهاد مع النص ) ثم يُردف بقوله: هذا الكلام غير صحيح،  فالاجتهاد يجب أن يكون في النص نفسه )، وأجد أنه - هنا - خلط بين النص الإلهي والنص البشري من غير المعصوم (ع).

9ـ ومما يسترعي الانتباه في هذا اللقاء للأستاذ محمد العلي قوله بأن الخرافة أقوى من الحقيقة ، ولا أعلم على أي وجه علمي اعتمد ، كما أنه يرى بأن المتدينين هم الخرافيون وليس الدين ذاته قد يصيب في هذا أو يُخطئ لا بأس لكن أن يصف المفسرين بأنه خرافيون إلا قليلاً منهم فهذا أمر غير مقبول في الوسط العلمي.

10 ـ من الأمور التي لا تصمد أمام النقد أن يقول ناقد بحجم الأستاذ محمد العلي مُعَمِّمًا بأن المعجزات على كثرتها إلا أن بعضها خُرافة سواء ما استشهد به مما جاء في القرآن الكريم كقضية المائدة أو التاريخية كقصة تظليل النبي (ص) بالغمام حيث يعد ذلك كله خرافة .
ومن التعميم أيضًا الذي لا يصمد أمام النقد قوله بأن ٩٠ بالمائة من رجال الدين هراء.

ومن صور التعميم غير المقبول كذلك قوله بأن العالم الاسلامي كله يشكو الجوع ، وأن كل المذاهب خرافية ، وأن والعالم الإسلامي يحتاج لمعجزة؛ كي يفيق من الجهل والسبات ، وفي هذه تناقض كبير حيث أنه لا يؤمن بالمعجزات ويعدها خرافة لكنه يطلب المعجزة هنا حتى أن المستضيف للأستاذ العلي علق على ذلك مستغربًا.

بالله عليكم هذا كلام فيه تعقل ومبني على دراسة ؟!

11ـ ومن الأمور التي يستغربها المتلقي لكلام الأستاذ محمد العلي في هذه اللقاء هو أنه يرى بأن هناك ثمة تناقض بين الآيات القرآنية وضرب مثالاً على ذلك .

وأخيرًا وليس آخرا فإن البحث عن الحقيقة ينبغي أن يكون مبنيًا على تريث وتخصص وعدم إطلاق التعميم .

وأختم هنا بأن الكاتب والشاعر والناقد الأستاذ محمد العلي ولئن ختم اللقاء بأن كلامه كان في المعتزلة إلا أن الأسئلة التي وجهت له، وكذلك ما جاء في ثنايا حديثه يثبت بأنه تجاوز الجادّة التي أراد لنفسه أن يضعها فيها.



يقول الأستاذ العلي في معرض إجابته حول سؤال أحد المداخلين الذين سألوه أن يُقدم لهم طريقة للهروب من العقل كما هرب بعض الأولياء والعلماء من بلادهم حفاظًا على دينهم يقول :لا أوصيكم بالهروب من العقل كما فعل البعض من العلماء ورجال الدين، فوظيفة العالم هي تصحيح الأفكار والقضاء على الخُرافة ، وفي هذه مغالطة حيث أن التاريخ حدثنا عن بعض الأنبياء والأولياء والعلماء الذين تركوا بلادهم حفاظًا على دينهم وخوفًا من السلطان الجائر وليس هروبًا من عقولهم كما ادّعى ضيف المقهى الثقافي العزيز.

أرجو أن لا يكون موضوعي هذا مزعجًا لأحد فهي مجرد إضاءات وملاحظات حول بعض ما ورد في لقاء المقهى الثقافي بالكاتب والشاعر والناقد الأستاذ محمد العلي وأرجو أن تصل له كما وصل لنا هذا اللقاء ، فهو مجرد رأي ورأي مجرد لا أكثر ولا أقل، وشكرًا لكل من ساهم في رفع مستوى الوعي الثقافي لدى الناس .



الأحساء

21 / 12 / 1437هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق